أ. د. فيصل رضوان| الجامعة الطبية بولاية كارولاينا الجنوبية
إن العالم الذي نتحرك فيه مليء بالميكروبات بشكل مخيف. عالم مكتظ بمخلوقات دقيقة جدًا، نحمد الله أننا لا نراها بأعيننا وهى تطير وتسبح وترعى فى كل مكان؛ وإلا كانت الحياة مرعبة ومستحيلة.
يواجه الإنسان فى يومه العادى الآلاف من الجراثيم. إنها في الهواء الذي نتنفسه، في الماء الذي نشربه، على الأشياء التي نلمسها، على أوراق الخس الذي نأكله، وفي التربة التي نقف عليها. إنها فى أى شئ، وفى كل مكان حولنا — مهما كان يبدو نظيفًا أمام أعيننا. هذه الميكروبات ليست حولنا فحسب؛ بل تعيش علينا وبداخلنا أيضًا. والميكروبات التى نقصدها هى خليط كبير من الفيروسات والبكتيريا والفطريات والطفيليات التي تسبب مجموعة كبيرة من الأمراض اذا وجدت الفرصة المناسبة لذلك.
جلودنا مزرعة خصبة لآلاف الحشرات الدقيقة بأنواعها وأشكالها، وأمعائنا ثكنات لآلاف الأنواع من البكتيريا – بل قد يصل عدد خلايا البكتيريا في الجسم أكثر من عدد خلايا الجسم نفسه!. نحن نعيش حقا في عالم صاخب من الميكروبات، والذى ربما يتجاهل وجودنا أصلًا. الجميل ان الكثير من هذه الميكروبات تساعدنا ولا نستطيع الحياة دونها، ولكن تبقى الفئة الشريرة منها منتظرة لحظة الهجوم الشرس على عالم الإنسان.
هذا الزخم الميكروبي حولنا، يقودنا إلى السؤال الكبير: لماذا لا نمرض طوال الوقت؟
هناك عنصران محددان لفاعلية الهجوم الميكروبي الضار: البيئة المحيطة وتحصينات الجسم. تحدد البيئة حولك إمكانية العدوى. إذا كنت متواجد فى بيئة موبوئه، تزداد احتمالية العدوى والمرض. وعندها تأتى لحظة إختبار دفاعات جسمك عند مواجهة الميكروب المسبب للمرض.
وفى العموم، يجب أن يدخل الميكروب المُمْرض داخل الجسم ليسبب العدوى. ولحسن الحظ، فإن الجسم البشري يمتلك ترسانة كاملة من الدفاعات القوية التي تمنعه من الدخول. هناك أسوار وأسلاك شائكة ومصايد ونقاط تفتيش عديدة يجب ان يتعداها الميكروب حتى يصل الى داخلنا.
وبعيدًا عن الدخول فى الآليات الفيزيائية والميكانيكية لطرد العدو بعيدا عن الجسم، فإن أجسادنا تتقن الحرب الكيميائية ضد جحافل الغزاة. عصارة المعدة شديدة الحموضة تقتل البكتيريا بشكل فعال. هناك عامل كيميائي آخر يمنع العدوى وهو المخاط— المخاط في أنوفنا، والمخاط الذى يبطن رئتينا وأمعائنا وأجهزتنا التناسلية. هذا الخليط الزج من السكريات والبروتينات يحتوى على مخزون هائل من المواد الكيميائية المضادة للميكروبات والإنزيمات المدمرة لمسببات الأمراض.
بنفس الطريقة التي تتنافس بها الأسود على الفرائس، تتنافس الميكروبات على العناصر الغذائية واكتساب مساحات جديدة في أجسامنا. وحينما ينجح إحداها فى دخول أراضى جديدة ممنوعة وبناء مستوطنات، يحدث تنشيط تام لجهازك المناعى— وهو الملاذ الأخير والعامل المحدد لنتيجة هذه الحرب
