بيرم التونسي من زجَّال متمرد إلى زجل الابتهالات الدينية

نورة البدوي | تونس

ترك هرم  الزجل الشاعر  بيرم التونسي (23 اذار 1893/ 5 يناير 1961 ) إرثا شعريا و فنيا عميقا في الساحة الشعرية العربية، فلا نمر بين سطور قصائده إلا و نجد أنفسنا و قد امتزجت بسفر منفتح المواضيع خلدته الكلمات و المعاني لشاعر عرف كيف يغزو قاع النفس المصرية و العربية باختياره العامية وسيطا بينه و المتلقي.

كان شاعرنا ملتصقا بقضايا مجتمعه متأثرا بمجريات الحياة، فكتب عن الحب والحرب و المنفى و البيروقراطية و المرأة و في كل هذه الموضوعات تجلت روحه الساخرة اللاذعة. روح أحدثت منعرجا كبيرا في حياته سياسيا واجتماعيا. فمن خلال ما كتبه من أزجال ساخرة ناقدة آنذاك للسلطان المصري؛ سماها التونسي بقصائد (البامية السلطاني) و(القرع الملوكي) و(الباذنجان العروسي)،إذ يقول في إحدى أزجاله:

البامية في البستان تهز القرون

وجنبها القرع الملوكي اللطيف

والديدبان دايــر يلم الــزبون

صهين وقدمو امتثل يا خفيف

نــزل يلعلــط تحت برج القمر

حيث تم على إثر هذه القصيدة نفيه إلى تونس، لتبدأ معه رحلة المنفى فيما بعد إلى فرنسا وتختزل حياته بين المطاردة والنفي والحنين الى الوطن وعائلته.  فكانت ترافقه في آلامه أزجاله. و إذا كان بيرم التونسي عرف بمكانته النضالية من خلال أشعاره الزجلية النقدية للسلطة، فبعد عودته من المنفى دخل شاعرنا المجال الفني فألَّف الكثير من الأغاني والمسرحيات الغنائية وتعامل مع أم كلثوم، وفريدالأطرش، وأسمهان، ومحمد الكحلاوي، وشادية، ونورالهدى، ومحمد فوزي، و السيد درويش، وصالح عبد الحي، و زكريا أحمد، ومحمد القصبجي، ومحمود الشريف وعزت الجاهلي، ورياض السنباطي و غيرهم.

وقد بلور شاعرنا قناعاته في مجال الأشعار الغنائية فقال: “الأغنية مدرسة تستطيع أن تعطينا قيما سليمة”؛ قيم لم يخفيها التونسي في كلماته التي توحدت والألحان الموسيقية فولدت المعاني منطلقة في عوالم الإحساس.

لم يستثن التونسي في أشعاره الغنائية الابتهالات الدينية والإنشاد الديني الذي تغنت به أصوات علقت بالأذهان، حيث امتزج جمال الصوت والأداء مع جلال المعاني والكلمات في أغان أعلنت وجودها من خلال الأعمال السينمائية أو الإذاعية أو الأغاني الركحية المنفردة.

 

فأنشدت ليلى مراد في فيلم (ليلى بنت الفقراء) من أشعار بيرم وألحان زكريا احمد:

الله احد الله ..لله أحد الله

سبحانه الفرد الصمد

الله أحد الله .. الله احد الله

واحد و لا غيره خالق

الله الله الله

خالق و لا غيره خالق

الله الله الله

رازق و لا غيره رازق

الله الله الله

كما أنجز بيرم مع المغني محمد فوزي فوازير المسحراتي و التي قدمت بالإذاعة المصرية مطلع الستينات حيث تغنى بابتهالات من بينها:

يا عباد الله، وحدوا الله

أنا أمدح المولي الغفور الودود، اللي تجلت رحمته في الوجود

الأرض والسماوات عليا شهود

أشهد له سبحانه بعز سلطانه، ومن صميم قلبي أشكر له إحسانه

يا مؤمنين وحدوا الله، لا إله إلا الله

سبح إله العرش واخضع إليه.. هو الوحيد اللي انت رزقك عليه

الملك والملكوت عطية ايديه

لو مرة ينظر لك لابد يغفر لك.. ويدخلك جنة فيها ما تتمني

يا مؤمنين وحدوا الله.. لا إله إلا الله

يا رب تلطف بالعباد في قضاك.. أنت اللي مالك شريك في علاك 

أما في فيلم(سلامة) للمخرج توجو مزراحي عام 1945، و من بطولة أم كلثوم التي غنت سبع أغنيات من كلمات بيرم و تلحين زكريا أحمد و هي أغنيات موزعة بين مواضيع مختلفة و من بينها، برضاك يا خالقي التي تقول :

برضاك يا خالقي لا رغبتي ورضاي

خلقت صورتي ويديك صورت أعضاي

أبلغ بصوتي يا رب مقصدي و مناي

لما أناجيك و لما تسمع شكواي

أما الفنانة اللبنانية نور الهدى في فيلم (عايزة أتجوز) فغنت هل هلال العيد من ألحان فريد الأطرش و كلمات بيرم التونسي:

هــل هــــــلال العـيد عالإسلام سعيـد

هـل هلاله علينا مبارك شاكر فضل الله تبارك

متّعنا ياهـــلال بأنوارك واطلع فوق وزيـد

هل هــــلال العيد علينــا مالي الدنيا بهجه وزينة

فيه البشرى لـــكل مدينة جــاية في كـــل بريــد

**  *                    

طوف ياهلال علينا ودور واملا العين جمال ونور

وامــلا القلب هنا وسرور بأكــتر ما بتريـــــــــــد

*

هل على الإســــــلام يحمــل ألف ســـــــلام

ومن العام للعـــــــام يجي بنصر جديــــــد        

أما في فيلم (أفراح)1950 من إخراج نيازي مصطفى فتغنت نور الهدى بأشعار بيرم فأنشدت:

أنت الرجا و الأمل لليائس الحيران

لما تخيب الظنون من علم كل طبيب

أنت الوحيد اللي قاصد رحمتك ما يخيب

يا عالم السر مني

يا قريب

هكذا تنقل بيرم التونسي ينشد الكلمات و الأشعار الدينية بين الإذاعة و السينما المصرية فكانت الأغاني قريبة الى مسامع كل فئات المجتمع، مستخدما بذلك زجله بين نقد لاذع للسلطة و بين ابتهالات دينية في حب الله .       

أما أغنية القلب يعشق كل جميل فهي من أشعار بيرم والحان السنباطي غنتها أم كلثوم سنة 1971 كانت أغنية فارقة و مضيئة في تاريخ الأغنية المصرية الدينية.

القلب يعشق كل جميل

القلب يعشق كل جميل وياما شفت جمال يا عين

واللي صدق في الحب قليل وان دام يدوم يوم ولا يومين

واللي هويتو اليوم دايم وصالو دوم

لا يعاتب اللي يتوب ولا في طبعه اللوم

واحد مافيش غيره ملا الوجود نوره

دعاني لبيته لحد باب بيته

وما تجلى لي بالدمع ناجيته

لقب بيرم التونسي بشاعر الشعب، كما منح جائزة الدولة التقديرية عن جهوده في الأدب والفن عام 1960 من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ليترك إرثا فنيا عميقا ، ويرحل في  يوم 5 يناير  1961بعد مسيرة من امتحانات الحياة التي واجهها بأزجاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى