محمد المشايخ ناقدًا ومؤرخًا
د. محمد حسين السماعنة| الأردن
لا يهدأ واسطة عقد الكتاب والأدباء والمثقفين الأردنيين وذاكرتهم الحية محمد حسن حسين المشايخ ولا يتوقف عن التواصل مع الأدباء الأردنيين جميعهم، ولا يكل من تتبع أخبارهم الثقافية والأدبية بل والمعيشية، فهو شخصية ثقافية لها حضورها الدائم الفاعل في الساحة الأدبية المحلية والعربية، ويحظى باحترام الأدباء والنقاد الأردنيين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية، حتى لقب بشيخ أدباء مدينة الزرقاء، وعمودها الثقافي، وسادن رابطة الكتاب.
ولمحمد المشايخ بصمته الواضحة في التأريخ للأدب الأردني شعره ونثره، فهو علم من أعلام الأدب الأردني الفاعلين المؤثرين في الساحة الأدبية الأردنية،وهو أديب ناقد كاتب مؤرخ تشهد له أقلام الأردنيين بالجمال والإنصاف والدقة،وهو عضو رابطة الكتّاب الأردنيين، وعضو نادي أسرة القلم الثقافي في الزرقاءيحملدرجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية، وتولى أكثر من وظيفة ومهمة وعمل؛ فقد كان مديرًا إداريًا لرابطة الكتّاب الأردنيين (1978-2007)، وسكرتيرًا تنفيذيًا للأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ومقررًا للجنة الإصدارات والمسابقات لاحتفالية «الزرقاء مدينة الثقافة الأردنيّة» سنة 2010، ومديرًا لتحرير مجلة الزرقاء الثقافية.
وكتب محمد المشايخ في مسيرته الأدبية الطويلة، التي ما زالت تعطي وتنتج،مجموعة من الكتب النقدية والتأريخية،لعل من أبرزها:
“أضواء على الأدب والفن في الأرض المحتلة”، و”قراءة في أدب الأرض المحتلة، والأدب والأدباء والكتاب المعاصرون في الأردن”، و”المبدعون الأردنيون والفلسطينيون المكرمون بمنحهم وسام القدس للثقافة والآداب 1991″، و”دليل الكاتب الأردني”، و”كتاب الأردن”، و”شعراء معاصرون، يوسف عز الدين صلاح”، و”أمينة العدوان، دراسة في أعمالها الشعرية”، و”أدباء الرصيفة وكتابها”، و”معجم الروائيين والقاصين الأردنيين”، و”معجم أديبات الأردن وكاتباته”، و”الأدب والأدباء والكتاب المعاصرون في الأردن”، و”أنطولوجيا عمان الأدبية”، و”أنطولوجيا الزرقاء الإبداعية”، و”من أدباء مادبا وكتابها “، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب المشتركة.
ولمحمد المشايخأيضا مقالات أدبية ونقدية وتأريخية كثيرة توزعت على المجلات العربية: الأقلام، وأفكار، والجسرة الثقافية، والكاتب العربي، والبيان الكويتية، وعالم الكتب، وآفاق الثقافة والتراث، والموقف الأدبي، وأقلام جديدة، والمنتدى،وقد تنوعت موضوعاته في هذه المقالات وتعددت لأن ثقافته الموسوعية هي التي أنشأتها، ولأنها نتاج نظرته الواسعة للحياة الأدبية ومتابعته الدقيقة الدائمة لما فيها من حراك أدبي؛ فهو كتب عن المسرح، وعن القصة القصيرة في الأردن وفي فلسطين، وعن أدب المرأة، وعن الحراك الثقافي في الأردن، وأجرى حوارات تذكر مع فدوى طوقان، ومع الفنان التشكيلي سليمان منصور، وأذكر من هذه المقالات: قراءة في رواية خطوط التماس لغصون رحال، ومقالته النقدية عن مجموعة شغب للشاعر موسى حوامدة. وقراءته لكتاب زياد الجيوسي أحلام فوق الغيم، ومقالته المشهورة في صحيفة الرأي” من يوميات سكرتير رابطة الكتاب” التي هي كما أرى البداية لمشروعه الماتع “ذكريات داعبت فكري وظني”الذي بدأه على صفحته في الفيسبوك،وهو سلسلة ذكريات بانورامية في مئة حلقة عن الكتاب والأدباء والمثقفين الأردنيين أثبت فيه للكتاب بأنه ليس عزرائيل في الأرض كما اتهموه بعدما رأوه قد شغل كثيرًا بالتهنئاتوالتعزيات.وهي سلسة كتبها مما تخزن في ذاكرته من أحداث ومشاهد ومواقف طريفة تصل حد الغرائبية والعجائبية أحيانًالأكثر من أربعة آلاف من الكتاب الأردنيين والعرب في مجالسهم الرسمية والخاصة، وذكر فيها أدباء لم يذكرهم أحد قبله، وابتعد فيها عن الجغرافيا والمعتقد والتوجه الفكري،وهي سلسلةتحمل علامات جنس أدبي جديد يذكرنا بما فعله الأصفهاني في كتاب الأغاني.
وحفلت هذهالذكريات بالعديد من الحكايات والحوادث الطريفة، استخلصها من تاريخ الكتّاب، أو مما سمعه منهم ومن أترابهم، أو مما نشره هؤلاء في فضاء الفيسبوك.
ويختم محمد المشايخ كل حلقة بنص لأحد الكتاب ويتبعه بسيرة ذاتية. وفي كل حلقة يدرج صورة مركبة تحتوي جميع من ذكرهم في النص. وقد استقطبت هذه السلسة متابعة واسعة من الكتاب والمثقفين والمهتمين، فأثرت الفيسبوك والمجالس بالمحاورات والذكريات.
وأعد محمد المشايخ معتمدًا على ذاكرته ومما توافر لديه من تأريخ أردني أدبي المادة الإذاعية لبرنامج راحلون الذي يوثق مسيرة من توفي من أعضاء الرابطة في برنامج يصل إلى حوالي ثلاثمائة حلقة.ولا ننسى دوره في معجم البابطين المشهور المعروف وأعمال أخرى كثيرة.
ومن أعمال محمد المشايخ التي ظهر فيها أسلوبه المريح للقارئ، ولغته الفصيحة القريبة من لغة الناس اليومية، وجهده التوثيقي الدقيق، ومتابعته الحثيثة للمشهد الثقافي الأردني:
“معجم شعراء الأردن” الذي قدم فيه سيرة موجزة لحوالي 750 شاعرًا أردنيًا، وحوالي400 شاعر أصدروا دواوين، وحوالي ألف شاعر ممن ترددت أسماؤهم على الفيسبوك وفي الصحافة والهيئات الثقافية. ولم يكتفِ محمد المشايخ بجمع المعلومات عن هؤلاء الشعراء، وإنما قام بتحليل ما توافر بين يديه عنهم ليصف لنا جزءا من المشهد الشعري في الأردن، كمستوى الشعراء الثقافي، وأثر الغربة في النشاط الشعري للشعراء المغتربين، ووصف دورهم في هذا النشاط وطنيا وقوميا وعالميا، كما تتبع فيه العديد من الشعراء العرب الذين أقاموا في المملكة لظروف مختلفة وأثروا المكتبة الأردنية بإبداعهم الشعري. وأبرز محمد المشايخ في هذا المعجم أهمية الشعر الأردني فأشار فيه الى دواوين وقصائد كثيرة أبدعها شعراء الأردن تـُرجمت إلى عدد من اللغات العالمية، كما عدّد الجوائز الوطنية والعربية والعالمية التي فاز بها الشعراء الأردنيون، وأشار إلى ما اعتمدته الجامعات المحلية والعربية في مناهجها من قصائد لشعراء أردنيين، وقادته السير الكثيرة التي تجمعت لديه إلى كشف المشهد الثقافي في الأردن كاملا، فقد تبين له أن الهيئات الثقافية الفاعلة في المحافظات هي السبب في ظهور المواهب الشعرية وتطورها وتطويرها؛ فهو وجد أن أكثر الشعراء الأردنيين هم أعضاء فاعلون في نشاطات النوادي والهيئات الثقافية، ولديهم مشاركات في الأمسيات وفي كثير من المهرجانات الشعرية والثقافية والفنية.
وكتاب “أدباء الرصيفة وكتابها”وهو لا يقل أهميًة عن “معجم شعراء الأردن” لاحتوائه على سير وتراجم لـ مئة وثمانين أديباً وكاتباً وناشطاً ثقافياً من لواء الرصيفة، ولاحتوائه على مقدمة لها أهمية عظيمة في تأريخ الأدب الأردني، لأن فيها استعراض للحياة الثقافية في الرصيفة منذ زيارات الأمير عبد الله لمنتزهاتها في النصف الأول من القرن المنصرم بصحبة الشاعر عرار وغيره من المبدعين والرسميين، حتى صدور الكتاب، فقد تتبع تأريخ الحياة الثقافية وتطورها في لواء الرّصيفة عبر حقبة زمنية تبدأ من أربعينيات القرن الماضي حتى وقت صدور الكتاب، ثم تحدث عن دور سكّان مدينة الرّصيفة في تأسيس رابطة الكتّاب الأردنيين في عمان، ونادي أسرة القلم الثقافي في الزرقاء.
ونبه محمد المشايخ على النشاط الثقافي الفاعل المثري في مدينة الرصيفة، حيث تعمل اثنتان وثلاثين هيئة ثقافية ومئات المؤسسات التربوية والأكاديمية ومئات المبدعين على النهوض بالحراك الثقافي في اللواء، فأرخ للحركة الثقافية في هذه المدينة في ثلاثمئة صفحة من القطع المتوسط، ورصد الكثير من أسماء الأدباء الذين شاركوا في النهضة الثقافية لهذه المدينة الأحياء منهم والأموات مع ذكر نماذج من إنتاجهم الأدبي، فتناول في فصل الأدباء والكتّاب المقيمين في اللواء حسب الترتيب الهجائي، وتحدث عن السيرة الذاتية لكل كاتب، ثم ذكر نموذجاً من كتاباته سواء أكان قصة، أم شعرًا، أم نثراً، وقد بلغ عدد الكتّاب والأدباء في هذا الفصل واحدا وأربعين كاتباً وكاتبة. وبينبإيجاز غير مخل الدور الذي قامت به المؤسسات الثقافية المختلفة في اللواء، مثل منتدى الرصيفة للثقافة والفنون، وجمعية أبناء الرّصيفة الثقافية (صالون الرّصيفة الثقافي)، وجمعية صالون الرصيفة الأدبي، ولم يترك شاردة أو واردة لها دور في الحياة الثقافية في اللواء إلا وذكرها وتوقف عندها موضحاً أهميتها في المجال الاجتماعي والثقافي للواء.
ويظهر جليًا في”معجم القاصين والروائيين الأردنيين” جهد الناقد وذكاؤه ورؤيته، واجتهاد المؤرخ وتعبه، وجمال أسلوب الكاتب وسهولة إيصاله للمعلومة للقارئ، ويظهر جلد الباحث المؤرخ، ففيه توثيق لأسماء من ساهموا في إنتاج الرواية والقصة القصيرة الأردنية في مئة عام أو يزيد وذلك منذ تأسيس الإمارة عام 1921 والى سنة 2019، وجاء الكتاب في 254 صفحة من القطع المتوسط، ترجم فيه محمد المشايخ لـ 514 قاصاً وروائياً منهم 381 قاصا وروائيا من الذكور ، 133 قاصة وروائية من الإناث، رتبهم حسب الأحرف الهجائية، وذكر لكل قاصٍ أو روائي مجموعة من المعلومات التي قد تُفيد الباحثين، وتمهد لهم طريق البحث والتقصّي كتاريخ ولادة كل منهم، ومؤهله العلمي الأعلى ومصدره وسنة الحصول عليه، وعمله الحالي ووظائفه السابقة، وعناوين الروايات، والمجموعات القصصية التي أصدرها مع ذكر اسم دار النشر ومكانها والسنة، وعناوين بعض المخطوطات لمن لم يصدروا كتبا، بالإضافة إلى الإشارة لعناوين المؤلفات التي أصدرها كل منهم في غير حقل القصة والرواية، وأسماء الهيئات التي ينتسب لها، وبين محمد المشايخ في هذا الكتاب مدى اهتمام المرأة الأردنية في كتابة القصة والروايةحتى إنه برز من هذه الأسماء الأنثوية من ذاع واشتهر على محليا وعربيًا.ومن أقدم الأسماء التي ذكرها محمد المشايخ في هذا الكتاب أديب عباسي، الذي ترك وراءه أكثر من مئة مخطوطة، بين قصة ورواية وشعر، كتبت باللغة العربية واللغة الإنجليزية، منها: عودة لقمان، أشواق قيثار.
ومن كتب محمد المشايخ التي لها وقع في الساحة الثقافية الأردنية “كشف الحجاب في خفايا رابطة الكتاب”، الذي جاء في مئة وتسعين صفحة من القطع المتوسط، تحدث فيها محمد المشايخ عن الرابطة وأهدافها، وتاريخها. واستعرضما شهده من أحداث غريبةطريفة حدثت في الرابطة أو مع عضو من أعضائها بأسلوب شائق، وبلغة رشيقة سهلة مليئة بالمتعة، وبجملالتي لا تعقيد فيها ولا تقعر.
وما زال محمد المشايخ الأديب الناقد المؤرخ بالعزم نفسه والعزيمة نفسها التي بدأ بها نشاطه الثقافي في الساحة الأردنيةمنذ أكثر من أربعين عامًا، حريصًا على متابعة المشهد الثقافي عن قرب، والمشاركة فيه بفاعلية وجمال وإبداع إداريًا وناقدًا ومؤرخًا وأديبًا.