أدب

شمس الحقيقة

قصة: طارق حنفي
    أسير وحيدًا منذ بضع دقائق في شارع طويل عريض، لا ألمح بشريًّا واحدًا على مدى البصر، أو حيوانًا يتجوَّل من حولي.. ولا أجد ما أحتمي به من أشعة الشمس التي لم تجد غيري لتضربه بأشعتها في هذا الوقت من الظهيرة، أشعر أنها تجمع أشعتها في شعاع واحد يتعامد على رأسي تمامًا، ولم لا؟! فهي لم تجد غيري..
   لقد انتهيت من عمل أشعة القلب مبكرًا، وأصريت على مغادرة مركز الأشعة، على الرغم من نصح البعض لي بالانتظار وعدم المغادرة في هذا الوقت من النهار حيث درجة الحرارة في ذوتها..
     لقد قفزت درجات الحرارة بجنون خلال السنوات الأخيرة، أشعة الشمس نفسها قد اختلفت عن السابق؛ فهي لا تكتفي باختراق الملابس بل صارت تخترق الجلد واللحم وتحرق العظم..وعلى العكس من ذلك، صارت برودة الشتاء تخترق الأرواح، وتزيد النفوس همًّا وغمّا..
كما امتلأ العالم بالمشوهين خلقيًّأ وذهنيًّا، عقول فارغة ونفوس مريضة.

    لكن لماذا لا يوجد أحد الآن -حيث أسير- في هذا الشارع؟ أتكون السماء قد استجابت لدعائي فأخذت أصحاب البذائات والأفكار المتدنية؟! وما أكثرهم! فأصبحت لا أرى أحدًا من حولي!
  أخيرًا! أتمنى أن يكون ما أراه على المدى هو بالفعل محطة الحافلات وليس سرابًا، ها أنا أدنو منها كما تدنو الشمس من رأسي..أتصبب عرقًا غزيرًا، الصداع يكتنف رأسي، أشعر بالتعب يسري في جسدي.

   أدركت المحطة بعد طول عناء، ألقيت جسدي على مقعد من ثلاثة، لكن الشمس ما زالت تستهدف رأسي؛ فلا توجد مظلة تظلل الجالسين على المقاعد..
   أتذكر أني سمعت أحدهم يقول ذات مرة: كانت توجد مظلة قبل بضع سنين لكن ريح عاصف اقتلعتها من مكانها وأطاحت بها بعيدًا، وقال آخر: لقد سُرقت، لكني أميل إلى الرأي الذي يقول بأنها لم توجد من الأساس..
أشعر بالغثيان، آه لو تأتي الحافلة في موعدها لتنقذني من احتفاء الشمس بي المبالغ فيه!
   حرارة جسدي ترتفع، الشمس تحاصرني، بدأت أشعتها تتسلل إلى داخل رأسي، تمس عقلي، النبض يتسارع، يهرول النفس خلفه، أين الحافلة؟ كيف أصبحت الرؤية مشوشة رغم سطوع الشمس؟!

الشمس!
الدم يغلي في رأسي، عقلي يذوب، الأفكار تتداخل، تتسارع، تتصارع..
– ماذا لو كانت نظرية الأرض المعاكسة حقيقية؟! ماذا لو كان هناك كوكب أرض آخر خلف الشمس تعجز العين البشرية عن رؤيته؟!
– آمن الممكن! أتكون الشمس واحدة من السبعة أراضين؟!
– الأرض السابعة تحديدًا، أسفل الأسفلين.
– وأرضنا هذه هي الرابعة في الترتيب.
– وعن يمينها ثلاثة أراضين يتدرجون في النور حتى يصلوا إلى الأرض الأولى حيث النور على أشده لتكون ما يشبه شمس النور.
– نعم، شمس تنشر النور على أرواح العارفين، لا تُرى إلا بنور البصيرة.
– وتكون أعمال الشر هي وقود شمس النار، تلك التي تبقي الأجساد المادية حية، فترى الأعين بنور النار وتبعث الحرارة في تلك الأجساد.
– وأعمال الخير هي وقود الأرض الأولى (شمس النور) التي تبعث الدفء في الأرواح وتنير العقول بالأفكار العظيمة.

هل توصلت إلى نظرية جديدة في هذا العمر؟ لا يمكن إثبات صحتها للأسف، إنها نظرية بلا برهان..
عضلات جسدي تختلج جميعًا، نار تسري في جسدي، مخي يغلي، ثقل يطبق على صدري، لا أستطيع التنفس..
أخيرًا، هدأ كل شيء، ما هذا الذي أراه؟ هناك شمس من النور الصافي، تبعث أشعتها الدفء في روحي، أرى ببصيرتي ما ينير صدري ويزيح الظلمة عن عقلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى