شعر: محمد القاضي | مصر
وقفت على حد الفراغ وأرسلت
طرفا إلى عمق الضباب يسيرُ
–
هالت ترانيم السلام بقلبها
متشابهات خانها التفسيرُ
–
هي ذرة في عالم متكدس
أعياه من صخب الحياة كثيرُ
–
في زحمة الأكوان راحت تحتسي
قدحا يموج برأسه التفكيرُ
–
قالت أظن وما لظني غاية
بعض اليقين على الظنون عسيرُ
–
لكن أوطان الخيال رحيبة
والكل في وطن الخيال أميرُ
–
في زحمة الأكوان جالت تنتشي
ما صدها باب هناك وسورُ
–
قد ودعت كونا توارى خلفها
ومضت عليها في الدهور دهورُ
–
رأت الزمان ولا زمان بقربها
ظلا على طرف الحياة يمورُ
–
رأت المكان ولا مكان يحدها
قَزما محا قسماته التصغيرُ
–
قالت هنا حيث الأماني حرة
درك السعادة هين ميسورُ
–
ظنت وذلك من بعيد ظنونها
أن السبيل إلى هناك يسيرُ
–
مرت عليها نسمة موجوعة
قالت عليك من السلام بشيرُ
–
لي إخوة من ها هنا مروا إلى
لا حيث أدري أو أكاد أشيرُ
–
نظرت إلى عمق الفراغ وتمتمت
عودي فما عادت لذاك جسورُ
–
عادت وخيبات الرجاء تلفها
والدمع عند المقلتين هصورُ
–
وبسرعة الضوء المسافر في الفضا
هربت وبعض الانسحاب عبورُ
–
راحت تفتش في الزحام وليتها
قنعت بما قد صورته قشورُ
–
في زحمة الأكوان شيء غير ما
انكب يبدل وجهه التزويرُ
–
في زحمة الأكوان ضوء عاثر
ألقى به خلف الظلام النورُ
–
قد هاله وجه الظلام وظنه
يملي المصائر كيف شا ويبيرُ
–
فأباح للظلماء بعض ضيائه
وأدار ظهرا إن دعاه ضميرُ
–
في زحمة الأكوان صوت خامد
كم شب لكن لا يكاد يثورُ
–
قد جاء من خلف الحكاية ناقما
ما قد جناه بأرضه التنظيرُ
–
وهي الرياض اليانعات ثمارها
أترى الرياض اليانعات تبورُ
–
إن البلاد إذا تفرق أهلها
أودى بها الإقرار والتغييرُ
–
في زحمة الأكوان كون تائه
أفلاكه حول السراب تدورُ
–
ونجومه راحت تصب ضياءها
حيث استقرت في الغياب بدورُ
–
فترى الضياء إذا تأذن صبحه
جنبا لجنب والظلام يسيرُ
–
من سوء حظ الضوء أن شعاعه
قد غاب عنه الفعل والتأثيرُ
–
ما عاد ينزعج الظلام لبرقه
متكافئان غيابه وحضورُ
–
ما هكذا الأكوان تبني مجدها
ما هكذا ترد المياه العيرُ
–
ما أربك الأكوان مثل مقامر
يهدي إليه فساده التدبيرُ
–
في زحمة الأكوان كون ناشئ
يحبو وأكوان هناك تطيرُ
–
وعلى امتداد الفكر كون آفل
بقيت له دون الحياة سطورُ
–
الكل يجرى في الفراغ لغاية
قد ساء في تقديرها التقديرُ
–
لو ينصفون لأدركوا أن المنى
مدن يخط بناءها الطبشورُ
–
فعلام يقضون الحياة تصارعا
يسعى بهم نحو الهلاك نفورُ
–
في زحمة الأكوان راحت تنجلي
كل الحقائق إذ تداعى الزورُ
–
وبدت على ذات الخيال كآبة
وعلت عليها صدمة وفتورُ
–
ظنت بأن خيالها أندى يدا
مما اجتناه الواقع الشريرُ
–
لما تيقنت الضباب يلفها
إن جن ليل أو تراءى النورُ
–
عادت إلى حيث السكوت رفيقها
والسور والأبواب والجنزيرُ
–
متلهفات للرقاد حروفها
ما عاد يغري صمتها التعبيرُ
–
قنعت ومن بعد انطفاء فضولها
أن المسار محتم مسطورُ