رحلة إلى الجنوب اللبناني قامت بها: وفاء كمال (23)

قاع الدم الأول ( 23 )

كان غالب حائراً بين المحقِقَيْن. بل إن ماكان يدور حوله كان مضحكاً , فهما مكشوفان . لكنهما مع ذلك كانا مصران على الاستمرار . وحين ظل صامتاً هجم عليه المحقق الثاني ،وهوى بقبضة يده على رأس غالب الذي نزلت عليه الضربة كالصاعقة . فانحنى المحقق فوقه، وراح يوزع الضربات على كل جسده وهو يشتمه ويركله، وغالب صامت يحاول حماية نفسه من الضربات، ثم أمسك المحقق بأعضائه التناسلية وبدأ يشدها كحيوان مجنون.. كان غالب يصرخ من الألم. تمنى لو يتدخل المحقق الثاني؛ لكنه لم يفعل وبدأ المحقق يشتمه ويبصق عليه وما أن رفع يديه المكبلتين لمسح البصاق عن وجهه حتى هوى المحقق بعصا غليظة على معصميه فأحس بهما يتمزقان. وشعر كأن عظامه قد تشظت، ثم نادى جنديا ضخم الجثة وقال له: هيا علِّمه كيف يقود السيارة؟ فأخذ الجندي يضغط بقدمه على خصيتي غالب ويقول: أليس هكذا يداس الفرام؟ أغمي على غالب عدة مرات وفي كل مرة يرفعونه من خصيتيه . وفجاة أشار المحقق لأحد الجنود ليصب فوقه سطلاً من الماء البارد . وأحضر جندي آخر كرسياً وأجلس عليه غالب واقترب منه وقال: احكِ لي الآن من (دك دوك حتى السلام عليكم) .

وأصر المحقق على أن يجعل غالب يعترف بالاشتراك في عملية لم يشترك بها . وقد استمر بإنكارها . فأشار له الضابط أن يمسك خشبة غليظة وهو في وضع الانحناء. وأن يقوم برفعها وإنزالها بين القدمين والصدر ..فكم مرة سقطت الخشبة على قدميه وهرستهما. لايذكر ذلك حتى قدميه لم يعد يحس بهما  والأرض دارت به مئات المرات وذراعاه قد انحلتا من الكتفين . كان رأسه يدور فتدور معه الدنيا وتهبط وترتفع مع حركة جذعه.. كم دام ذلك العذاب لايدري؟! فكل شيء انتهى حين أشار له المحقق أن يترك الخشبة ويقترب.

ـ ماذا قررتَ ياغالب ؟

ـ أن أحكي كل شيء .

ـ كان يجب أن تفعل ذلك من البداية .وفتح ملفاً كان أمامه .

ـ ماهي علاقتك بالمقاومة؟ 

ـ علاقة سياسية ..بعيدة عن النشاط العسكري .

ماعلاقتك بالأمين؟

ـ أغراني بالسفر لمتابعة دراستي مقابل مراقبة العملاء والمتعاونين مع إسرائيل. واعطاني أسماء مشبوهة لمراقبتهم. لكنني لم أستطع تنفيذ ذلك لأن الامتحانات على الأبواب 

وماهي تلك الأسماء 

ـ نورهان صبية من القرية. وخالتها ناجيِّة 

ـ والعمليات التي اشتركت بها ؟

لم أشترك بأية عملية ؟ 

ـ قلت لك : فواز اعترف

ـ إذا لماذا تسألني ؟

ـ أنا أحقق معك ،ولست أنت من تحقق معي. 

نده المحقق للحراس :

ـ احضروا فواز مسعود. 

فإذا بالباب يندفع بقوة، ويدخل منه فواز وقد بدا هزيلا وقد غارت عيناه وازرق حولها وتنفخ وجهه.  

قال المحقق: ألم تعترف أن غالب شارك بالعملية ضد لحد ؟ 

قال فواز:  

ـ الكهرباء التي وصلتموها إلى جسدي هي التي قالت ذلك وليس أنا . 

ـ أنت تنكر إذاً .

ـ نعم أنكر .فقد قمت بالعملية أنا وشابين من خارج الضيعة لا أعرف إلا إسماهما الحركيان. أمسك المحقق فواز من صدره بعنف وقال : ستعترف عاجلاً أم آجلا. 

ثم طلب إدخاله من جديد لغرفة التحقيق ..علَّق فواز من يديه إلى سلسلة ضخمة متدلية من السقف. وبدأ الجلاد يمارس وحشيته من جديد .لم يتمكن فواز من الصمود أكثر امام وحشية المحقق . فاعترف باشتراكه بالعملية. وبأن غالب لايقوم بأعمال عسكرية وأن دوره شكلي .وهكذا استمر غالب بالإنكار وساعده في ذلك عدم سؤال المحققين عن الأعمال التي قام بها بشكل فعلي . 

وأخيرا اقتنع المحققون بصدق غالب وجاء قرار نقله إلى سجن (الأنصار) .ثم تمَّ الإفراج عنه وعن مريم لبايا في عملية تبادل أسرى إثر عملية اختطاف طائرة أمريكية قام بها حزب الله ..أما فواز فاستمر معه التحقيق. وتم الإفراج عن ثائر بعد أن ثبت لهم أنه لاينتمي لمنظمة العمل الشيوعي.. بدأ فواز يشعر أنه لن يتمكن من الصمود أكثر، فلا أحد يستطيع تحمل ذلك العذاب. فاعترف بالمشاركة بالعمليات ضد لحد، ولكن بعد أن منح رفاقه فرصة لتبديل مكان مجموعتهم .قال المحقق

ـ ماذا تعرف عن زياد زلّايا ؟ 

لاأعرف احداً بهذا الإسم. ـ 

كان فواز يعلم بقرارة نفسه أن زياد عنيد مثل كرار. ولايعترف بسهولة ولولا ذلك لما خرج غالب من السجن وهما شريكان بالنضال.

لم يكثر المحقق من الأسئلة وكأنه كان متوصلاً لبراءة زياد وكرار بسبب عنادهما الشديد ومقاومتهما للتعذيب المستمر فحين كسر المحقق فك كرار ولم يعترف تيقن من براءته.

ثم اقتيد فواز إلى غرفة التصوير وأجبر على الاعتراف امام شاشة التلفاز باعتدائهم على لحد. ونُقِل بعدها إلى سجن (أنصار) باستلام الصليب الأحمر. 

هناك انتهت رحلة العذاب .ففي هذا المعتقل كان المعتقلون يمتلكون المزيد من الحرية.. إذ يمكن للأهل زيارتهم وإرسال المؤونة الغذائية لهم . وقد يقومون بانتفاضات وقد ازدادت الانتفاضات منذ حضور فواز الذي كان دائما يتقدم مجموعة طويلة ويبدأ بترديد الهتافات الوطنية ويرددها المعتقلون بعده .

.تقدَّم فواز من الحاجز الحديدي وهو يحمل كيس الكلس الذي يستعمله الإسرائيليون للقضاء على الجرذان والروائح الكريهة في الحمَّامات

ورمى دورية بأحد الأكياس. وبدأ المعتقلون يفعلون نفس الشيء يتمنون لو يطفئون عيون عناصرالدوريات الإسرائيلية بالكلس، بعد أن فشلت عمليات رميها بالحجارة . 

حيث بدأت دوريات جديدة تأتي بسيارات محاطة بشبك يمنع دخول الحجارة ..

استمر فواز بالاقتراب أكثر من الحاجز الحديدي . كان يفيض حماساً . حاول الحج غسان رده لكي لايصل إلى الحد الممنوع تجاوزه . فهو يعرف ان فواز عندما ينفعل يتهور . لكن فواز ظل يهتف الله اكبر .. الله أكبر.. ويتقدم من الحاجز الحديدي بتسرع . إلا ان عينيّ القناص التي كانت ترصده منذ أول انتفاضة له في المعتقل، لم تغفل عنه هذه المرة. فأطلق طلقته الوحيدة التي دخلت فوق القلب وخرجت من الكتف. فوقع فواز على الأرض كتلة من الدماء . جعلت كل من في المعتقل يصيح ,وتعالت الأصوات بالشتائم . وهاج جميع من في المعتقل . 

ـ فواز مات يامجرمين ..فواز مات أيها الكلاب .

اسرعت قوات الصليب الأحمر لنجدته. إذ لايجوز قتل سجين في المعتقل بعد أن تستلمه قوات الصليب الأحمر خاصة ان الكاميرات تثبت انه لم يتجاوز الحد الممنوع.

حملته مروحية إلى (سويسرا) وهو ينزف ظناً منهم أنه سيموت في النزف . دون أن يعلموا أن دم النضال لاينضب. وأن الرصاصة لم تنل قلبه الذي ظل يلعب في صدره .حتى تم إنقاذه، وأعيد إلى المعتقل إلى أن أُفْرِج عنه بعد تدخل القوات السورية من اجل إخراج مجموعة أسرى .

يتبع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى