تجاعيد الماء (23) رسائل سيدة (3).. أمنيات صغيرة

سوسن صالحة أحمد | كاتبة وشاعرة سورية تقيم في كندا

 الآن عرفت ماذا أريد من رجلي، ومن الجيد أن أعرف ولو تأخرت، التعامل مع وجود نعرفه يختلف عن التعامل مع وجود نقبله، يتكامل الحسن لو عرفناه فميزنا خيره وقبلناه، ثلاثية مرضية ومجدية تحقق خيرا يأتي من عدل وحق وجمال.

القناعة بالموجود كانت شعاراً أحاول الترقي به نحو فضيلة مرسومة، غير أن الزمن والسنين أظهرت لي ذلك خنوعاً واستسلاماً لمجتمع جعل من الذكر ربا يسعى لتوحيده.

الآن. . أريد رجلا يهتم بأدق التفاصيل، فالأشياء الكبيرة الواضحة الكل مجبر عليها لأنها واجبات، أما دقيق التفاصيل فلا يهتم بها إلا محب، تلك العموميات لا تُحسبُ في ميزان الاهتمام فأياً منا محاسب عليها اجتماعياً، هي أمور ظاهرة للعيان، كفاية البيت والأولاد الطعام الشراب الفواتير، كلها واضحة، أما تلك المفصلة الدقيقة، ما أحب، ما أكره، ما يريحني وما يتعبني، ما أرغب وما آنف، ما يفاجئني بالحب، إلى تفاصيل كثيرة، لا ينتبه لها إلا قلب عاقل، يحاسبه عليها مقدار حبه واهتمامه، ورغبته في التعبير عن ذلك، والأولى أن تغلبه لأنها فيهِ دون استحضارها، على الرغم أنه حتى في الأمور العامة يجب أن نتماشى بمقدار الاستطاعة ولاضير، لكن الداخل المخفي يستطيعه الحب حد التبذير، كما يستطيع الحب أن أصبر حتى على الصور الظاهرة المحاسب عليها فيما عليه بذله كراعِ للبيت فلا أظهرها لقناعتي أنه يفعل ما بوسعه، ولا أطلب أكثر ولا ضير إن كان يقدر ذلك، وربما كان الركون إلى الاستطاعة سببه هذه القناعة في استطاعة أخرى ربما لايسعى إليها، فيما يرى المجتمع أنه يبذله كرجل، همه الصورة الظاهرة، وما بطن بيننا لا اعتبار له ولا هو سنة حياته، ولاينفع أن أطلبه إن لم يكن بفعل تلقائي منه في نية بث السعادة من أجلنا معا، بل جميعا.

لقد تعاهدنا أن نسعد بعضنا، وكنتُ على عهدي ككل أنثى ارتدت هذا العهد من مهدها، وما كان عهداً في تصاريف الحياة المادية فقط بل كان الشعور متضَمناً بشكل تلقائي فيه، وماكان عهده إلا في الأمور المادية وبالاستطاعة، تلك التي لا أفكر فيها إلا كنوع من التعويض كآلية دفاعية ضد ألم الحرمان، وما الحرمان؟ !

لقمة الروح صعب إيجادها؟ !

(الكلمة الطيبة صدقة)، الابتسامة، الالتفاتة البسيطة بوردة يحملها بمناسبة أو بلا مناسبة، ولو كانت خارج الاستطاعة بإمكانه رسمها وتقديمها، والابتسامة فليتعناها حتى تصبح عادة ومن ثم عبادة، ليذكر من أنا، ولو عنيت له فسوف يستطيع كل ذلك وبازدياد حتى تعانق التفاصيل إحساس القلب وعروج الروح، إن لم يهتم بكل هذا وببساطة فما أعني له؟ مالي في قلبه؟ أأزيد حينها عن تكملة شكل اجتماعي اعتاده الجميع كما هو ظاهر؟ .

يقول جبران: الحب ميزة في المحبوب وليست ميزة في المحب، وأخالف جبران، الحب ميزة في المحب أولا، ثم تتكامل في الإثنين، الحب كرسي لو فقد إحدى أرجله من المستحيل أن يتوازن، ومن يجلس عليه، عليه أن يخضع لقانون تأرجحه واحتمالات سقوطه، هكذا الحياة، لا بد للحب أن يكون من طرفين ليتوازن في ثلاثيته، ولو كان كلام جبران صحيحاً، فهذا يعني أن البشر جميعا لاميزة لهم ليُحَبُّوا، فلا كمال لأحد، والحب تجاوز الكمال في اكتمال تتكامل به برازخ الصفات حتى نألفها كما هي، الحب احتواء وقبول، ومشاعر المحب سوف تتضاءل في حيز الفعل إن لم يحصل على هذا الاهتمام وبأدق التفاصيل، حب الميزة الواحدة ناقص، مبتور المعنى، لايكتمل ولا يثمر، الحب حالة كلية رغم نقصنا.

النهر يسرع إلى مجراه ليحتويه البحر، وكلنا نهر تارة وأخرى بحر، ولو بنا البحر سدوداً في وجه النهر تحول مجراه، أو فاض حزناً.

أنا الآن ذاك النهر الذي يشتهي بحراً يحتويه ليكونه، أريد الدور الآخر للماء، أريد ما يشكلني غيمة، أريد أن أكون المحبوب.

أنا إنسانة، أحب أن تتحقق إنسانيتي.

بلا حبٍّ يغرقنا كالبحر، يستغرقنا حتى أدق تفاصيلنا، كيف نحيا؟ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى