أدب

على مغزل الريح

بديع صقور| أديب سوري

” ما أرسخ الجبال!
لكن مجاري الأمواه فيها تشقُّها ، ثم تمضي، وتمضي..
الأمس كتلك المجاري المسرعة..
يفرُّ، ويفرُّ..
وأعظم الأبطال ممن سادوا يوماً..
يفنون ..ويفنون”*
*** ***
بعدْدَ أنْ اشتعلتِ الحرب
احترقتْ غابةُ الطفولة
ذبلتْ أكمامُ الورد
وفاضتْ ينابيعُ الدموع .

*** ***
جفّ بئر حاكورتنا
وصار المطر أبعدَ من نجم!
انكسرتْ خوابينا،
وغاضتْ مياه العيون،

وابتعد الغريب المطر.
*** ***
إذاً!.
بعد أنْابتعدَ الغريبُ المطر..
من أينَ سنجلبُ الماء
لإطفاء ما أشعلوه، ويشعلونه
من حرائق على هذه الأرض؟

*** ***
ذبلتْ أضاليا الشمس
انكسرتْ يد القمر..
ما أكثرَ الثكالى
ما أكثرَ اليتامى
وما أكثرَ القبور!.

*** ***
كانت زهرة..
غافلتها رياحُ الحرب
وخطَفتْ عطرَها..
كان ناياً يصدح مع العصافير
كلَّ صباح..
هذا الصباح غافلتْهُ رصاصة
فأردته قتيلاً،
وتبللتْ ساحة الدار بالقاني الجميل.

*** ***
في مستنقعات الحرب
سقطتْ فراشات الطفولة..
غرقتْ أحصنهُ القصب
وغرق خيّالتها الصغار..
غرقوا.. غرقوا،
ولم ينتشلهم أحد !.

*** ***
كما كلّ الأزهار كانت تحلم بأن تخطفها يدُ عاشق..
في الحرب اختطفتها رصاصة..
كما كلّ العصافير كان يحلم بالنوم
في حضن أمه..
في الحرب سقطتْ قذيفة على بيته، فطارا معاً،
وهوى كنجم بين أحضان قبر.

*** ***
خوتْ وكنات الطيور بعد أن مزّقتْها مخالبُ الجوارح ..
على مفترق الحلم
فوق جسور الظلام نصبوا مقاصلهم
لكلّ من تسول له نفسه العبور إلى ضفة القمر.

*** ***
في الحرب همى وابلٌ من رصاص..
لا أنتَ ذهبتَ ،
ولاهمْ عادوا !.

*** ***
قبل أن يلامس خدّه وجه التراب
قبل أن يتبلل جناحاه بماء البحر،
وقبل أن تحطّ النوارس فوق الصخور..
جاءت رشقة رصاص فهوى
مثل شهاب،
سقط من كبد السماء.
*** ***
قبل أنْ تطالُه بنادقُ الصيادين،
وقبل أن يحرقوا توتةَ الدار
طار العندليب.

*** ***
ترفقي بسنابل الحبّ يا ريح،
واسقِها من خوابي غيمك يا سماء،
إذا ما داهمها العطش.
*** ***
في أيّ الخوابي سنعتّقُ نبيذَ الإلفة،
بعد أن كسرتها مطارق الحرب؟!

*** ***
بلمحةِ برقٍ لن أقدر على إيقاف
عربات الحرب المسرعة بجنون..
إذاً!
ماذا عليّ أن أفعل ؟!

*** ***
قال لي سائلاً :
– من سواك رسولاً للحبّ؟
قلت له مجيباً:
– من توّج الزنابير ملوكاً على الفراشات ؟
*** ***
“القطاراتُ تأتي وتذهبُ تباعاً ”
والمسافرونَ تباعاً يهبطون
في محطات الغياب .
*** ***
تحت جفون الينابيع سالتْ دموع البنفسج..
هناك.. فوق القمم..
نارٌ على الجبال،
ونارٌ تلهو بين البيوت،
وفي الحقول،
وعلى الضفاف .
هناك .. تحت شفار السماء الواطئة
حيرى! تحلّقُ طيورُ أرواحهم البريئة،
ثم تبتعدُ .. و تبتعد..
يشتِّتُها الرصاص كما أسراب
الإوزِالمهاجر مع قطعانِ
الغيوم الشاردة.
*** ***
ذات عصرٍ..
يوم افترقنا:
تعرّتْ السّنون..
تعرّىالبشر..
تعرّتْ الطيور..
ذات عصرِ خريفيٍّ
“رمتْ معاطفَها الجبال”
فككتِ الريحُ أزرارَ أيّامِهم ..
تحت نوافذ الخريف سقطت دموع الزهور،
مضّرجةً بدمِ الخريف .

———-
*خوانق جو: شاعرة كورية، تعتبر أيقونة ثقافية في ربط الكلمة الشعرية بالصورة في تاريخ الأدب الكوري، ولدت عام١٥٠٦ وتوفيت عام١٥٤٤

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى