مقال

من يدعم السلكاوي في دولة التلاوة

رضا راشد| كاتب مصري
كان من العبارات المشهورة بين العرب بل بين المسلمين في شتى أنحاء العالم (إن القرآن الكريم نزل في جزيرة العرب، وقريء بمصر، وطُبع في لبنان) ونشأ بناء على ذلك مصطلح (دولة التلاوة) وصفا لمصر؛ دليلا على ما اشتهرت به مصر من تخريج حفظة متقنين أشد درجات الإتقان: ضبطا وأداء.

وفي العصر الحديث كانت إذاعة القرآن الكريم تنتقي صفوة الصفوة من بين هؤلاء القراء المجيدين، فلم يكن يجتاز اختباراتها قارئا إلا من هم في أعلى درجات الإتقان، وإن تلاوتهم حتى الان لتُتَّخذُ نموذجا يُحتذى يتعلم منها الناشئه.
هكذا كان الأمر؛ ولكن يبدو أخيرا أن هذه القاعدة قد اختلت فيما اختل من ثوابتنا وقواعدنا وأصول بنائنا المجتمعي، فلم تعد دولة التلاوة أعلامها خفاقة، ولا راياتها مرفرفة، ولكن أُنزِلت أعلامُها، ونُكِّسَت راياتُها، بدليل ما نراه من هذه المهازل التي تطل علينا كل حين بوجهها الكالح عبر أثير إذاعة القرآن الكريم التي كانت من قبل حمى القرآن الحصين.
(*) فقبل عدة سنوات صدمنا بهذا المغني الراقص (المسمى مصطفى عاطف) يرتدي عمامه القارئ ليقرأ قرآن الجمعة، مع أخطاء شنيعه في التلاوة والتجويد، بلا شفيع ولا وسيط إلا حسن صوته الذي لا يمكن أن ينهض وحده شفيعا له لهذا الأمر.
(*) ثم ما كان من الشيخ محمد على الطاروطي عندما أخطأ في قراءة قوله تعالى (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) حيث قرأها (فلما رأيناه أكبرنه وقطعن أيديهن) .
(*) ثم تأتي ثالثة الأثافي في هذا المسمى بالسلكاوي الذي تعددت بلاويه وكثرت طوامه، وفي كل مره يعلن عن عقوبه زاجرة ثم نتبين بعدها ان تلك العقوبه المعلنه لم تكن إلا تسكينا لغضب الناس وقتها.

فمنذ عام تقريبا ظهر في فيديو يتغنى ويتراقص وهو يتلو قول الله عز وجل: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض)، وكأنه ينشد أغنية لأم كلثوم، وما كان هذا إلا استجابة مذمومة لأحد المخابيل ممن يسمعونه. ووقتها ثارت ثائرة الناس، فما كان من إدارة الإذاعة إلا أنها سكَّنت ثائرة الناس بعقوبة معلنة بالإيقاف سنة.
(*) ولكن بعد أقل من ستة أشهر من الواقعة السابقة (حيث كان يفترض أنه موقوف عاما كاملا)، وتحديدا يوم الجمعة الموافق ٢٠٢٣/١٢/٢٩م وجدناه يقرأ قرآن الجمعة فيتلو من سورة الأنعام قوله تعالى: (إن الله فالق الحب والنوى)، فيتخطى آيتين اثنتين؛ نسيانا إلى الآية التي بعدهما، ثم يحاول التصويب بعد ذلك فيخطئ في الآية التي كان قد نسيها، وبدلا من أن يقول :(قد فصلنا الآيات لقومه يفقهون) يقول:(إن في ذلك لآيات لقوم يفقهون) وثارت ثائره الناس مره أخرى فما ما كان من اذاعه القران الكريم وقتها إلا أنها أعلنت عن إيقافه ستة أشهر تهدئة للناس. ولكن يبدو أن هذا القرار أيضا ما كان الا قرارا إعلاميا فقط، بدليل هذه الفضيحة الثالثه التي كانت يوم الخميس الماضي في قرآن الفجر، والتي كانت بعد أقل من ثلاثة أشهر ونصف من الفضيحة الثانية، وكان من المفترض أن يكون القارئ موقوفا تنفيذا للقرار المعلن على الناس بإيقافه ستة أشهر.
(*) حيث قرأ القارئ السلكاوي من قوله تعالى في سوره الأعراف(واكتب لنا في هذه الدنيا حسنه وفي الآخرة إنا هدنا إليك.. الى نهايه الآيه) ثم في الآيه التالية أخطأ أخطاء شنيعة ما كانت لتجتمع من قارئ مثله في آية واحدة، ومنها خطأ تكرر أربع مرات، على الرغم من تصحيح الناس له حيث قال: (ويضع عنهم إصرارهم) بدلا من قوله تعالى (ويضع عنهم إصرهم ) .

ولا يقال:
“إن القران غالب وليس مغلوبا”، “وجل من لا يسهو” ؛ فإن هذه أقوال ضارة أشد الضرر سواء قيلت بقصد أم بلا قصد، يراد منها تهوين الخطأ في كتاب الله بما ينتهي بنا إلى أن تنشأ أجيال تقرأ القرآن خط، مستدلة بما يقرأ في إذاعة القرآن الكريم

إن هذا الذي حدث أمر شنيع جدا، يزيد من شناعته أنها ليست المرة الأولى كما سبق بيانه، ثم كثرة الأخطاء و تتابعها في أقل من نصف آية، ثم تجاوزها نطاق السهو والنسيان إلى أخطاء لا تتأتى إلا من طفل في كتاب يقرأ الآيات أول مرة .

ولئن كان القرآن الكريم غالبا فإنه على الوجه الآخر يسره الله للذكر فقال ربنا:(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) كما تعهد ربنا بحفظه فقال تعالى:( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومن مظاهر تيسير الله القرآن للذكر ما نراه دائما مما يشبه المعجزات من أطفال لا تتجاوز أعمارهم أصابع اليد الواحدة، منهم من يحفظ القرآن الكريم بأرقام آياته، ومنهم من يسرد القرآن الكريم في جلسة واحدة في عدة ساعات بلا أخطاء، ومنهم من يعرف مكان الآية في الصفحة من المصحف.. وهلم خيرا .. مما ينتهي بنا إلى أن لا يكون الأمر مقبولا على أي وجه من الوجوه.

إن الخطب جلل، والشيخ ليس بمتهم وحده، بل يندرج معه في قفص الاتهام المسئولون عن إذاعة القرآن الكريم التي لا نعلم حتى الآن كيف نجح قارئ كهذا في اجتياز اختبارتها؟!! ثم كيف يستمر قارئا منسوبا إليها مع كل هذه الخطايا؟! ثم كيف نفاجأ به قارئا في وقت يفترض فيه أنه يقضي عقوبة الإيقاف عن خطأ سابق؟!!

إن إدارة الإذاعة تعلن عن العقوبة تلو الأخرى، ثم يتبين منها أنها عقوبة للإعلان فقط؛ لأنه لو طبقت العقوبة الأولى بإيقافه عاما ما كان قد أخطأ الخطأ الثاني في قرآن الجمعة في بورسعيد، ولو طبقت العقوبة الثانية بإيقافه ستة أشهر ما كان قد سمح له بالقراءة بعد ثلاثه أشهر ونصف فقط من الخطأ الثاني!.

وقد يقال إنه كان من قبل متقنا ساعة أن تقدم للإذاعة مما أدى إلى نجاحه..ثم كان ما كان

وهنا نقول:إن اجتياز القارئ الاختبارات الأولى واعتماده قارئا في إذاعة القرآن الكريم في الإذاعة المصرية لا يعني أنه اقترن بها اقترانا أبديا كالزواج الكنسي لا طلاق منه، لأنه من الوارد جدا أن يهمل المجتهد وأن ينسى الحافظ، ولهذا يجب أن يتعرض قراء الإذاعة لاختبارات دوريه يتجدد بعدها توظيفه في الإذاعة أو فصله منها؛ فإن هذا القرار لو صدر لكان حافزا لكل قارئ على أن يحافظ على اجتهاده وإتقانه.

أيها المسئولون عن الإذاعة:

بيدكم أنتم وحدكم – بعد الله عز وجل- المحافظة على (دولة التلاوة) وإعادة راياتها لترفرف وتخفق من جديد، بشرط البعد عن المجاملة وأن يوسد الأمر إلى أهله،وأن تكون العقوبات زاجرة لمن يخطئ لا مجرد عقوبات إعلانية.

إن تكرر الخطأ من هذا الشيخ في هذه الفترات القصيرة دليل على أنه جعل القران وراءه ظهريا، لذلك أطالب هذه المرة بأن يفصل من الإذاعة فصلا نهائيا؛ حماية لحمى القرآن الكريم، وحفاظا على النشئ والعوام الذين يسمعون هذا القرآن منه، فإن كنتم جادين في المحافظة على القرآن فافصلوا هذا الرجل وطبقوا الاختبارات الدورية؛ فبذلك تؤدون شيئا من حق القرآن عليكم، وإلا فأنتم المسئولون وحدكم عن هذا الإهمال وأي مخطئ سيكون في ميزان سيئاتكم، واعلموا أنكم موقوفون بين يدي الله عز وجل للسؤال فأعدوا للسؤال جوابا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى