مقال

يحيا القلم

بقلم: علي جبار عطية | كاتب عراقي

رئيس تحرير جريدة أوروك العراقية

     بشَّرَ الكثيرون بالتعليم الإلكتروني خاصةً في سنوات جائحة كورونا، وتنبأوا بسيادته على العالم، لكن بعد انحسار الجائحة جرت مراجعة لنتائج تلك المرحلة، وإيجابياتها وسلبياتها.
تعد السويد إحدى الدول المتقدمة في التعليم، وقد راجعت نظامها التعليمي مؤخراً، وقررت العودة إلى أسلوب التعليم بالقلم والورق والكتاب.
وحسب المركز السويدي للمعلومات sci ـ الذي استقيت منه هذه المعلومة ـ فقد أعلنت وزيرة المدارس السويدية (لوتا إدهولم) قبل أيام أنَّ الحكومة السويدية تخطط للعودة إلى الورقة والقلم والكتاب الورقي، كأسلوب أساسي ومستدام في التعليم، والتخلي عن فكرة رقمنة أدوات التعلم كأسلوب تعلم أساسي للطلاب.
ووفقاً للوزيرة السويدية فسوف تستمر الرقمنة في التعليم كأسلوب مساعد مهم بجانب طرق التعليم التقليدية الورقة والقلم والكتاب، وأنَّ الحكومة السويدية اتخذت قراراً بإلغاء خطط رقمنة الامتحانات الوطنية في المدارس الأساسية (المرحلة الابتدائية والإعداديةِ)، من الصف الأول إلى الصف التاسع، وأنَّ الحكومة ترى أنَّ الورقة والقلم والدفاتر والكتب يجب أن تكون محور التركيز في المدارس، بدلاً من الشاشات الإلكترونية.
بضرسٍ قاطعٍ أكدت وزيرة المدارس السويدية أنَّ الطلاب يتعلمون بشكل أفضل في السنوات الأولى من المدرسة باستخدام قلم الرصاص والكتب الورقية وهذا هو خلاصة نتائج الدراسات التي قام بها خبراء سويديون.
أما السبب في اتخاذ هذا القرار، والسباحة ضد المد التكنولوجي العالمي فهو أنَّ الاختبارات الدولية أظهرت أنَّ الطلاب السويديين في سن العاشرة أصبحوا أسوأ في القراءة والكتابة، بعد أن كانوا يحتلون المرتبة الأولى في العالم سنة ٢٠٠١، وهي السنة التي كان فيها التعليم في السويد يعتمد على القلم والورقة كاملاً.
إنَّ التجارب العلمية دفعت المسؤولين عن التعليم في الحكومة السويدية إلى عد بلادهم تعاني من (أزمة قراءة وكتابة).
تتحدث وزيرة المدارس بأسىً وتقول: إنَّنا نخاطر برؤية جيل من الأميين في السويد.
مع ذلك ما زال نظام التعليم في السويد هو الأكفأ في العالم، و التعليم إلزامي على الطلاب في السنوات التسع الأولى، ويُجبر الطلبة على تعلم السباحة في الصف السادس حفاظاً على حياتهم، ولتكون لهم ثقافة في التعامل مع حوادث الغرق لكثرة البحار والأنهار، كما وتوفر المدارس نظاماً غذائياً مناسباً لكل الطلبة، والمدهش أنَّ الطلاب لا يمتحنون إلا كل ثلاث سنوات بدروس الرياضيات واللغة السويدية، ويضاف امتحان باللغة الإنجليزية في الصف السادس، ويضاف امتحان في العلوم الطبيعية والاجتماعية في الصف التاسع الذي يحدد أهلية الطالب للتخصص. وليس هناك نجاح ولارسوب في هذه الامتحانات إنَّما تُجرى لأغراض التقويم.
يفرض على الطلبة خلع أحذيتهم عند الدخول إلى المدرسة حفاظاً على النظافة، ولا يرتدونها إلا عند الذهاب إلى ساحة اللعب فضلاً عن أنَّ دروسهم تجرى على الأرض فهم يتعلمون المهارات التي تساعدهم على العمل لا التركيز على الحشو النظري الذي يحصل في مدارس العالم العربي !
فهل نحنُ على أعتاب عودة تدريجية محتملة للأساليب التقليدية في التعليم والتدوين والتثقيف بما يحمل من أخبار سارة لأهل القلم وعشاق الحرف، وهناك مَنْ يستعيد مجد القلم إذ يذكر المحدث والمؤرخ محمد بن إسحاق المدني (٧٠٤ م ـ ٧٦٨م) في (السيرة النبوية) أنَّ أول من خط بالقلم هو نبي الله إدريس ابن النبي آدم عليهما السلام، فهل نشهد عودة إلى القلم مع تمدد العصر الرقمي؟
أم أنَّ البشرية تبقى ماضية إلى تحطيم كل ما بدأت به الحضارات الأصلية والتوجه نحو التكنولوجيا بكل ما فيها من هشاشة وزيف تجلى في أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي فتكون دعوات العودة إلى القلم استثناءً ومجرد (صحوة موت)؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى