مقال

قراءة فى رواية “أحجار فى قارعة الطريق” للكاتب والرحالة السعودي د. سعد الغريبى

الأدب السعودى يرسم خارطة طريق جديد

عبير نعيم أحمد| كاتبة وأديبة مصرية

      صدرت رواية “أحجار فى قارعة الطريق” كأول رواية للكاتب والرحالة السعودي د. سعد الغريبى عن مؤسسة أروقة للترجمة والنشر بمصر بعد كتب عديدة متنوعة وعدة دواوين شعرية وستخرج الرواية قريبا فى مسلسل درامي كبير . وقد استهل الكاتب بإهداء تضمن فكرة مقتضبة جدا عن رؤية كلية لأحداث الرواية وما يريد أن يقوله على لسان حال الأبطال، وتعتبر هذه الرواية رواية اجتماعية بحتة وصرخة مدوية لأنين معاناة المرأة في المجتمع السعودي وتغلب قوامة الرجل الظالمة لحق المرأة هناك.


لاخلاف أن الأدب مرآة المجتمعات الكاشفة لجوانب خفية لا يلتقطها وينقلها بأدواته الاحترافية سوى المبدع الحقيقي، سلك الكاتب فى طريقة السرد فى الرواية الطريقة السلسلة الواضحة المباشرة دون اللجوء إلى الترميز أو التشفير، لم يرم الكاتب على عاتق الرواية عددا كبيرا من الأبطال، بل كان المحرك الرئيس للأحداث ثلاث صديقات هما ( عبير وإيمان ونادية) ثم تفرع باقى الأبطال تباعا من داخل الحدث الرئيس ، تجوب الرواية فى مناطق شائكة لإشكاليات مجتمع يعانى من قيود وعادات مجتمع يرفضها ، ولكنه مجبر على الإنصياع لها . الرواية كانت جرس إنذار يدق لثورة على العادات والتقاليد المكبلة للمرأة بوجه خاص.
انتفض الكاتب فى روايته لحق المرأة لأنها ابنته ثم حفيدته في المستقبل ، ثم التسلسل الطبيعى من جيل إلى جيل لأنه مؤمن تماما أن المرأة نصف المجتمع وليست نصفا معيبا منتقصا يجب حجبه.
تنقل الكاتب ببراعة بين طيات الرواية في مناطق شائكة تخص فكرة التدين الظاهري للمجتمعات تحت ستار المجتمع المحافظ.. ففي حدث..رفض أسرة أم صالح فكرة تبني طفل من رعاية دور الأيتام عندما علمت أن صالح ابنها عقيم رغم حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام (أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى).


ثم مشهد درامي رسمه الكاتب ببراعة ظهور جماعة النهى عن المنكر في مداهمة استراحة دكتورة عبير التي كانت بمثابة أكاديمية علمية ثقافية عندما وشى بها أحد أعداء دكتورة عبير .
البطلة عبير كانت البطلة الحقيقية التي دفع بها الكاتب في روايته أحجار فى قارعة الطريق لتعلن ثورتها لتكون بمثابة مشرط الطبيب فى الرواية التي تحاول جاهدة أن تخيط جراحا غائرة داخل المجتمع الذكوري السعودي لتعلن براءة ثقافتها من هذه العلل التي لصقت بالمجتمع آنذاك.
عبير التي تريد السفر لإكمال دراستها في أوروبا، ولكنها تجد عقبات لاحصر لها نتيجة تراكم ثقافة غابرة اسمها العادات والتقاليد. ثم أردف الكاتب في مسميات غريبة عن مسامع الكثيرين كصك الإعالة، كأن المرأة قطعة أرض أو مبنى أو شقة لها صك ملكية لمن يمتكلها .
عودة البطلة عبير من دراستها بالخارج إلى السعودية لتصطدم بمجتمع يعيش فجوة واسعة بين مايريده الفرد ومايريده المجتمع وانصاعية لصوت المجتمع رغم رفضه كليا له، تطرقت الرواية في سطور خفية عن التفرقة العنصرية في عادة الزواج فى السعودية ورفض المجتمع زواج شاب يحمل الجنسية الهندية حتى لو حمل لقب دكتور جامعى مثل دكتور محمد نذير الهندي الجنسية الذي أحب دكتورة عبير في رحلة دراستهما معا.
لم ينس الكاتب أن يضع بصمته كرحالة عتيق في صفحات الرواية بوصفه مدنا أوربية بدقة في مناطق التنزهات التي كانت تجمع الحبيبين دكتورة عبير ود كتور محمد نذير .
كان الكاتب يجاهد طوال الوقت في روايته لكشف علل فكرية تصاب بها معظم الشعوب العربية كرفض أم صالح أن صالح إبنها هو المسئول عن الإنجاب وأن الزوجة هي المسؤولة وحدها عن الإنجاب ورفض علة عقم الرجل وعدم تقبلها أو الإعتراف بها ثم اضطهاد زوجة ابنها البطلة إيمان وإقناعه الزواج بغيرها .
ثم أعلنها صريحة كتوابع العلل الفكرية المصابة بها معظم الشعوب العربية بوجه خاص الفكرة الجائرة عن الطبيب النفسي وأنه معالج لحالة الجنون وفقد العقل فقط كبطل الرواية دكتور يوسف الطبيب النفسي .

قدمت الرواية إضاءات على عادات المجتمع السعودي كوجود الخاطبة أم صالح من فترة ليست ببعيدة لعدم وجود فرص للتعارف بين الجنسين وعادات الأفراح هناك وظهر طبق التمر المعتاد على مائدة المنزل في مظهر الضيافة عندهم.

تألق الكاتب عندما خرج من عباءة الرجل و نفض عن نفسه أولا غبار الغصة الذكورية في تسلسل الأحداث في البحث عن خبايا الوسط الأدبي الثقافي وسيطرة النزعة الشخصية في النشر والتقدم الوظيفي الصحافى ثم حجب المرأة الكاتبة في مناقشة أعمالها الأدبية بحجة الحلال والحرام لدرجة تصل إلى منع التوقيع لها على كتبها بحجة أنها بدعة أجنبية!
أخيرا أود أن أقول أن الكاتب يقف في روايته أحجار في قارعة الطريق حياديا بين التوازن الفكري لكل طبقات المجتمع ولا يريد أن تطلق عنان الحرية للمرأة عنان السماء فقط يريد منح حقوقها الشرعية التي كفلها لها الدين الإسلامي البعيد عن التشدد ، فالمرأة لم تحجب فى عهد رسول الله والخلفاء الراشدين بل كانت جنبا إلى جنب حتى في الغزوات؛ فالبدعة من صنعها؟ الجهل والجمود الفكرى الذي فرضتها مجتمعات بعينها المفروض أنها ترعرت في بيئة الإسلام الخالصة وعلى أرض نبت فيه الإسلام الوسطى البعيد عن التشرذم.
لا يسلم الكاتب تسليما كليا بفكرة بأن كل العادات هى أحجار يجب أن تزول بل أبدى إشارة واضحة جلية إلى مناطق الأحجار ربما البطلة عبير هى من سلكت له في هذا الدرب لتعلن بدلا منه ثورتها على الاقتناع بثقافة وتطبيق ثقافة أخرى مناقضة تضع المرأة في متاهة كبيرة بين القبول والإستحياء للرفض كالنعام الذى يدفن رأسه فى الرمال ثم تقع فريسة لعادات تشبه العبودية في بلاد أعلن فيها الإسلام تبرؤه من العبودية أول ظهوره .. فلماذا المجتمع بعاداته يعود إلى الوراء بفكره وثقافته البلهاء لعصر الجاهلية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى