لن يسامحوك
خالد رمضان| كاتب مصري
أثناء عزاء الراحلة شيرين سيف النصر صدر من الفنان الشهير أحمد عبد العزيز تصرف غريب تجاه شاب من ذوي الهمم الخاصة، حينما وضع ذلك الشاب يده على كتف الأستاذ أحمد عبد العزيز، فما كان منه إلا أن طرح يده، وقال له:(اوعى إيدك يالا) باللهجة العامية المصرية، ولم يجد الشاب بدًا من تقديم الاعتذار له، والسير خلفه ليقبل اعتذاره.
انتشر ذلك الفيديو بصورة مخيفة، وسرى سريان النار في الهشيم، وأقام الناس الدنيا وما أقعدوها.
تنكّر الجميع للفنان، واعتبروها فِعلة شنيعة يندى لها الجبين؛ إذ كيف يتصرف ذلك التصرف مع هذا الشاب المسكين؟! ثم توالت الاتهامات الزائفة التي لا دليل عليها في أرض الواقع، أو ما يدل عليها من تاريخ ذلك الرجل.
ومنها:إن هؤلاء يعتبرون أنفسهم فوق البشر. ومنها :لقد ظهر على حقيقته. ومنها: يتعاملون مع الناس على أنهم السادة، ونحن العبيد.
وأدلى كل واحد بدلوه، باديا في زي الحمل الوديع طيب القلب الذي انفطر قلبه على ذلك الشاب المسكين، فأطلقوا سهامهم المسمومة نحو أعراض الٱخرين بلا دليل ولا بيّنة.
في تلك اللحظة التي ارتكب فيها هذا الفنان ذلك الجرم الشنيع تناسى الناس -هؤلاء الناس- تاريخا حافلا قدمه الرجل عبر عشرات السنين، كانوا خلالها يحملونه على الأعناق، مبهورين بما صنعه من مجد عريق لا يخفى على الصغير قبل الكبير، ومن هذه الأعمال مسلسل الوسية، والمال والبنون، وذئاب الجبل، والفرسان وغيرها مما كان يحمل بين طيّاته من قيم إنسانية، وأعراف اجتماعية، ومبادئ أخلاقية.
أنا لست هنا في موقف المدافع عن الرجل، فلا علاقة لي به، ولم أره رؤيا العين، ولكن أتيت به للاستدلال فقط لا غير.
ورغم أن الرجل خرج على الجميع مصطحبا ذلك الشاب معتذرا له مستضيفا إياه في بيته، مبينا أنه لم يكن يعرفه، فقط كان هذا التصرف تحت ضغط التزاحم في تلك المواقف، وتكاثر الكاميرات والملاحقات الإعلامية، إلا أن من تداولوا خبر التشويه لم يتداولوا خبر تحسين الصورة.
هذه هي الطبائع البشرية المتنكرة لخيراتك، المتذكرة لزلاتك، يرفعونك لعنان السماء، وفي لمح البصر يقذفون بك للوراء، كما يقول الشاعر:
صمٌّ إذا سمعوا خيرا ذُكرت به
وإن ذُكرت بسوء عندهم أذنوا
وهذا جريج العابد الذي اعتزل الناس؛ وانقطع للعبادة، فأجلّه الناس أيّما إجلال، ولكن للأسف سرعان ما انقلب هذا الإجلال والتقديس إلى تخريب وتدمير؛ حينما ادعت عليه تلك المرأة البغي أنها حملت منه، وأن هذا الولد ولده.
انقلب الأمر رأسا على عقب، وساروا إليه ثائرين حانقين مشحونين متناسين تاريخه التليد بما يحويه من عبادة وصلاح.
انفجروا فيه فأوجعوه ضربا، وهدموا صومعته وفعلوا فيه الأفاعيل، حتى برّأه الله تعالى، وأيده بالمعجزة الخالدة.
إذن لا يختلف اثنان على صلاحه، ورغم ذلك صدّق الناس ما قيل فيه، وكأنّ أفعاله صارت هباء ً منثورا، وذهبت أدراج الرياح.
لن يشفع لك صلاحك، ولن تنفعك أعمالك عند هؤلاء العوام الذين يمحون تاريخك وتاريخ أجدادك بممحاة الغباء والانسياق.
ألم يوجد بين هؤلاء مَن يذكرهم ويحثهم على تحري المعلومة ؟
ألا يوجد فيهم رجل رشيد؟!
لن يتحقق أحد.
لن يغفروا زلّتك، لن يُقيلوا عثرتك.
سيتهاوى مجدك بين يديك.
ستُمحى ٱثارك الصالحة أمام عينيك.
لن يرحمك حتى أقرب الناس إليك.
إذا أشعلت أصابعك العشر لأخدهم ليهتدي بها في ظلمات الحياة، ثم أطفأت إحداهن فسيثور عليك، ويقذفك بحمم من الاتهامات، وستصبح البخيل المتخاذل عديم الأصل والإنسانية.
هذا عبد الله بن سلام حبر اليهود الذي كان مُمجَّدًا ومقدسًا عندهم، حينما أخبرهم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، انقلبوا عليه وقالوا: سفيهنا وابن سفيهنا.
إن ما يفعله الناس من نشر للفضائح، وتشويه للٱخرين هو مما يستوجب غضب الله، ووعيده الشديد.
هؤلاء يخوضون في الأعراض، ويقذفون المحصنات بغير دليل ولا بينة، فقط مصدرهم، قال لي فلان، أو سمعت من فلان.
دع الفضيحة تقف عندك، اقتلها بين فكيك، فلا تنشرها قبل أن تتيقنها .
لا تكن شريكا في هتك ستر الٱخرين.
التمس لأخيك سبعين عذرا، فإن لم تجد له عذرا لعل له عذرا لا تعرفه.
لا تكن ببغاءً تردد ما تسمعه دون أن تتحققه أو تتبينه.
اشغل نفسك بنفسك، فلا تتبع عورات الآخرين، فمن تتبع عورات الآخرين فضحه الله ولو بجدار داره.
وأختم بهذا الدليل القرٱني.
تأمل ذلك الوعيد الشديد لهؤلاء المساكين.
تقول مساكين ؟
نعم مساكين؛ لأنهم لم يرتكبوا جريمة الزنا، ولا السرقة، ولا القتل، ولا شرب الخمر.
إذن ماذا فعلوا؟
أتعلم ماذا فعلوا؟
فقط يحبون انتشار الفاحشة بين الناس.
فقط يحبون.
تخيل، توعّدهم الله ذلك الوعيد ولا ذنب لهم إلا أنهم يحبون نشر الفاحشة، قال تعالى: ” إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ٱمنوا لهم عذاب أليم”
للأسف سنتفاجأ يوم القيامة بذنوب أمثال الجبال لم تكن في الحسبان، ما كنا نلقي لها بالاً.
وفي الأخير أقول:
كن ساترا للخاطئين، و المخطئين؛ فلست ملاكًا يمشي على الأرض، ولا وليًّا من أولياء الله الصالحين؛ فلربما وقعت فلم تجد من يقيل عثرتك، أو يغفر زلتك