مقال

الحج بين مكة وغزة

د. أحمد الطباخ| كاتب مصري
معلوم أن الحج موسم للطاعة عظيم وركن من أركان هذا الدين لمن استطاع إليه سبيلا ولكن العلاقة بين الحج وما يحدث على أرض فلسطين أمر في أمس الحاجة إلى وقفة تأمل عميق لأن الله ما أرسل الرسل وانزل الكتب إلا لانقاذ بني الإنسان من أوحال دنياهم وتزكية لنفوسهم وتربية لها وتعلية وتسمية لها عن السقوط في مهاوي الرذائل وبراثن شياطين الإنس والجان وحتى يحيا من حي على بينة فتطيب حياته بما شرع له ربه من تشريع أنقذه بتلك المواعظ الرائعة التي إذا أداها المخلصون استراحت الخليقة .
الحج ليس كما فهمه الناس في هذا الزمان الذي تغيرت فيه أنماط حياة الناس بل ظل الناس يخربون الأرض ويعيثون فيها فسادا حتى أصاب حياتهم بلادة ففقدوا الإحساس بعد ضعف إيمانهم وقلة زادهم وقساوة قلوبهم وتفريغ دينهم من جوهره القائم على أخوة الدين وألفة القلوب فالحج فيه المشاعر المقدسة التي تشعرك بجلال الله وجماله في أطهر بقعة على ظهر الأرض وأقدس مركز دائرة الكرة الأرضية فتختلج القلوب وتئتلف حول ألفة إيمانية وروابط قدسية فما أشرفك واعلاك وأغلاك أيتها الكعبة المشرفة وأبهاك وأروعك ولكن الأشرف منك والأعلى والأسمى والأبهى والأروع هو ذلكم المخلوق الذي من أجله خلق الله هذا الكون وسخر له كل ما فيه وأرسل إليه الرسل وأنزل عليهم الكتب لهذا الخليفة في الأرض الذي نفخ الله فيه من روحه وكرمه فأسجد له ملائكته وفضله بذلك العقل وجعل له هذه الحرمة فدمه حرام وماله كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذه .
فأين حرمة دماء الناس من ذلكم كله في مؤتمر عالمي جمع الله فيه الخلق من أشتات الأرض بكل ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم ليتذكروا تلك الحرمات ويتعادوا على صيانة الدماء ويتواثقوا بأغلظ الأيمان على نصرة إخوانهم مهما كان حالهم ففي اجتماعهم قمة القوة بذلك التجمع العددي الذي ليس له مثيل في أي وقت ولا زمان ولا مكان فلا تستطيع أعتى الٱلة الحربية ولا وقوة البطش العالمية أن تجمع هذا العدد بكل ما تملك من سيطرة ونفوذ ولكنه رباط الإيمان وميثاق الإسلام وٱذان سيدنا إبراهيم في البرية والناس في عالم الذر فاستجاب كل من سمع بفطرة الله السليمة وبقوة الإيمان في نظام بديع ومشهد فريد ولسانهم ينطق في فم واحد لبيك اللهم لبيك ليس من أجل تأدية ظاهرية لمناسك الحج فحسب وإنما ليشهدوا منافع لهم من تقوية روابط الأخوة الإيمانية والتحلي بأخلاق نبيهم في الحج ومدارسة أحوال مقدساتهم الإسلامية والتناصح على نصرة الدين وإعلاء كلمة الحق مهما كان الثمن ويذكروا اسم الله فيزدادوا إيمانا على إيمانهم وقد استحضروا تلك المشاهد في أرض العزة والرباط وما يفعله هؤلاء الفجر في بني جلدتهم من إخوانهم المربطون في أكناف بيت الله المقدس .
إنها الفرصة التي تتجمع القلوب التي خلعت دنياها وتحلت بأنصع الثياب دون مظاهر كاذبة ولا ألسن فاجرة ولا ساعات عاهرة وإنما الكل تجرد من كل ما يشينه وتحلى بما يزينه بعد تحلية بتهليل وتكبير وتلبية وتخلية من كل ما يسوء فؤاده من معاصي وذنوب فإذا ما عاهد وفى وإذا ما نصح أخلص وإذا ما واثق أنفذ وإذا ما قال صدق وإذا ما تعلم علم وعمل وإذا ما دعا ربه استجاب الله لدعائه فانقذ أمته وخلصها من مكر عدوها وسوء ما يدبر ففرصة سانحة ودرس عظيم وفرصة نادرة ومؤتمر نافذة قرارته لانفاذ مشيئة الله في الخير لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي حرر الإنسان من عبادة الحجر والأصنام التي كانت منصوبة حول الكعبة فطهرها لأجل كرامة الإنسان وتحريره من كل عبودية لغير الله الواحد الأحد القهار الذي يستحق أن تلبي كل هذه القلوب نداء الحق أهل غزة من كل هذا الظلم الغاشم الواقع عليهم طوال هذا الشهور وعالمنا العربي والإسلامي لم يفعل شيئا لنصرته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى