مقال

أكذوبة العادات والتقاليد.. الثقافة المصرية أنموذجا

 

خالد رمضان| كاتب مصري – صلالة
تكتظ المجتمعات العربية بالعديد من العادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال كابرا عن كابر، حتى صارت كالدماء التي تجري في العروق، وكأنفاس الهواء التي هي سر الحياة. مما زاد هذه العادات تأصيلا وترسيخا أنها ارتبطت بالمناسبات الحياتية، حتى باتت نهجا خالدا، ودينا عقديا يصعب أو يستحيل التخلص من ربقتها، فكأنها الأغلال التي أحاطت بنا إحاطة السوار بالمعصم، فانطبق عليهم قوله تعالى:”قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ٱباءنا”، وقوله تعالى:” قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ٱباءنا”.
إن العته الذي أصاب تلك العقول، وذلك السفه الذي خالط الأذهان والأفهام أمر لا محل له من الإعراب، وخاصة بعد انبثاق فجر الإسلام، وإشراق شمسه على الدنيا بأسرها، فأذابت تلك الخرافات إذابة الجليد على رؤوس الجبال، وبددت ظلمة الجهل حتى عم النور والبهاء، فسكنت تلك العفاريت التي كانت تعبث بالناس أيام الجاهلية وعبادة الأصنام.
عندما أطل الإسلام على الدنا حطم الأوثان، ودمر الأصنام، فعندما كسرها -وهي لا ذنب لها – لأنها في ذاتها موحدة بالله، فقد قال تعالى:” وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم”، إنما كانت إرادته تكسيرها من النفوس البشرية بعدما استقرت وقرت وراقت في نفوس الغوغاء من الناس، ودهمائهم، ومن لا علم لهم، فاستغلهم المشعوذون والدجالون والنصابون والعرافون حتى استنزفوا أموالهم، وتحكموا في عقولهم، فبثوا فيهم أعرافا ليست لنا، ونحتوا لهم أصناما ضد عقيدتنا، وأسموها بالعادات والتقاليد، وزادوا في عتوهم وضلالهم فساقوا لنا أمثالا شعبية خرافية هلامية انتكاسية تفيض كفرا وانحلالا.
وتأمل معي بعض هذه الأمثال، وهي على سبيل الاستدلال لا الحصر”: (لو نزلت بلد بتعبد العجل حش وارميله) وفيه دعوة للنفاق والخنوع. (كتر السلام يقل المعرفة) وهو مخالف ليول الرسول صلى الله عليه وسلم:” أفشوا السلام بينكم”.(هبلة ومسكوها طبلة) وفيه سبٌّ وقذف (الراجل ما يعيبوش إلا جيبه)، ونتساءل: أين دينه؟!(يدي الحلق للي بلا ودان)، وفيه اعتراض على قضاء الله وقدره وفيه قدح للذات الإلهية وعدلها. (اللي عاوزه البيت يحرم عالجامع) حتى وإن كان مورد المثل على خلاف ما تعارف عليه الناس، فالمفهوم هنا المسجد، وهي دعوة للبخل وعدم الإنفاق.(إيش تعمل الماشطة ف الوش العكر؟!) وفيه اعتراض على خلق الله تعالى.(ما تخافش من الهبلة خاف من خلفتها) وفيه تحقير لخلق الله. (مسكوا القرد مفتاح القرار) وفيه تحقير من شأن الآخرين.(يا مزكي حالك يبكي) وفي تحريض على إنكار ركن من أركان الإسلام وأمر الله به.(القرد في عين أمه غزا)، وفيه سبٌّ صريح. (إن شوفت أخوك راكب بوصه قله مبروك عليك الحصان) وفيه استخفاف بعقول الآخرين. (القرايب عقارب) وفيه دعوة لقطع الرحم، وعدم وصلها.
والجعبة ملأى بعشرات الأمثال المسمومة المدسوسة على الإسلام وأهله، لتمزيق روابطهم، وتشتيت شملهم، وتمزيق صفوفهم .
هذا ما يخص الأمثال، فهيا بنا إلى ما يصيب العادات: فقد كان قديما لا يسمح للفتاة أن ترى زوجها إلا في ليلة دخوله بها، وذلك مخالف لتعاليم ديننا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تُنكح البكر حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر “وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم:” ارجع فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكم “، وفي رواية : فإن في أعين الأنصار حور، وقيل حول .
ومن تلك العادات المشؤومة أن المرأة إذا تأخر حملها كانت تذهب للمقابر، وتأتي بقطعة من كفن حتى يتسنى لها الحمل . ومنها أيضا أنهم كانوا لا يزوجون الصغرى قبل الكبرى، وتظل الصغرى معلقة حتى تتزحزح الكبرى، ومن تلك العادات أيضا أنهم كانوا يعيبون على الأرملة أن تتزوج بعد وفاة زوجها، ذلك حسن أن تعيش لأبنائها، ولكن الأولى لها أن تتزوج حتى تقوى على صراعات الحياة، وتعف نفسها، وتصون عرضها وتقضي وطرها .
وأيضا كانوا يأخذون المشيمة مشيمة المولود الجديد وكل متعلقاتها ولابد أن تلقى في نهر جارٍ، أو ترعة واسعة؟! وأيضا كانوا يمنعون الحائض أن تدخل على المرأة الوالدة وطفلها مدعين إنها ستشاهرها، أي تصيبها بالعقم والعياذ بالله. وأيضا كانوا يسمون الولد الذي يولد على رأس العديد من البنات بالاسم المستقبح حتى يعيش ولا يموت، كشحات وشوال وخميل.
فلما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجهلت حتى ظُن أني جاهل
فواعجبا كم يدعي الفضل ناقص
ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل
فإذا تتبعنا جذور تلك الخزعبلات والخرافات والشعوذات والافتكاسات فسنجد أنها لا تمت لديننا الحنيف بصلة، ولا حتى تتوافق مع الحداثة والمعاصرة، إنما هي من الطيرة والتشاؤم التي نهى عنها الإسلام، فالنافع والضار هو الله سبحانه وتعالى، له مقاليد الأمور، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وأقسم أنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ورزقها، وأن الناس جميعا لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشئ فلن ينفعوك إلا بما كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشئ فلن يضروك إلا بما كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى