بقلم: خالد رمضان
العشق شغف ووله وضعف يعتري العاشق ويطرق باب قلبه ودون استئذان، ليس له ميعاد يحدده، ولا قانون يضبطه، فجأة لا تشعر بنفسك بل تراك منجذبا مأسورا لنظرة لم تتوقعها، أو ابتسامة تسحرك أو كلمة حانية تخترق نياط قلبك فتتركه صريعا يعاني الوهن والهذيان.. إن قانون العشق ليس له محكمة تنظر في أمره، ولا محامٍ يزود عن غريمه، بل حكمه نهائي لا يقبل النقض ولا الطعن .
حين يقدر الله لك ذلك وترى نفسك بين يدي محبوبك تراه يعزف على أوتار قلبك سينفونية العشق الأزلي الذي لا تعرف له بداية، ولا تدرك له نهاية فتكون أمامه أضعف من فرخ حمام لم ينبت له ريش، أو تكون كالطفل الرضيع الذي لا علم له من دنياه إلا ثدي أمه المرضع فيهيم به وكأنه الدنيا التي يحياها.
وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلا
أراها في الضلال تهيم
هل تعشقها؟ نعم أعشقها وأهيم بها ولا أبغي بها بدلا، أعشق صورتها التي ترافقني في نومتي وفي يقظتي، أعشق عينيها اللامعتين الزاهيتين اللتين تشعان سحرا وبريقا فكأنها شِباكُ صائدٍ تأسرني حتى لا أستطيع حراكا، وكأني أمتثل قول جرير اليربوعي:
إن العيون التي في طرفها حورٌ
قتلننا ثم لم يحيينا قتلانا
يقتلن ذا اللب حتى لا حراك له
وهن أضعف خلق الله إنسانا
أعشق صوتها العذب الذي يشبه تغريدات العصافير ساعة السّحَر أو نغمات الكروان عند انبلاج الصباح.
أعشق تلك الكلمات التي تنسال على شفتيها وكأنها العسل المصفى .
حين يزورني طيفها يسكن وجداني، وتنهار قواي وتخور صلابتي وكأني تلميذ أمام معلمته .
إن العشق حالة استثنائية تعتري العاشق فتجذبه بقوة فلا يحسن عملا، ولا يفهم علما، بل قد تجده يبتسم وهو منفرد لا يجالس أحدا، وقد ينظر إليك ولا يراك، أو تكلمه ولا يسمعك أو تسأله فلا يجيبك، وكأنه ناسك في محراب عبادته، أو سكران قد غاب عنه عقله .
وكم من العاشقين الذين سطروا قصصهم في سجلات الزمن فتناقلها القاصي والداني وكأنها خيال أو أكاذيب لا يكاد عقل يصدقها
ومنها
قصة المجنون الذي هام بمحبوبته وكأن الدنيا لا تحوي سواهما.
ذلك قيس بن الملوح الذي عشق تلك الفتاة الشهلاء ليلى العامرية ابنة عمه التي ملأ الدنيا شعرا لأجلها، فقال:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدار
فلا حب الديار ملكن قلبي
ولكن حب من سكن الديار
حتى بعد موتها ظل يزور قبرها ويدفن رأسه في التراب ويقول: علّي أراها، ومات بعدها بسبعة وعشرين يوما. وقبله عنترة بن شداد العبسي وقصته مع عبلة ابنة مالك بن قراد العبسي التي قال فيها:
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وكان لا يناديها إلا بسيدتي، وهو يعني أنه أسير لها رغم قوته وفروسيته وعبقريته (معذور يا عنترة)
وقصص العشق لا تحصى ولا تعد، ونحن نذكر منها ما نذكر لمجرد الاستدلال على تلك القوة الناعمة التي يخضع لها الملوك، وتنساق لها الأمراء والوزراء والسفراء، فلا ألقاب تحت عباءة الحب، ولا أوسمة ولا أشرطة أمام عيون المحبوب، كلٌّ يذوب ، وكأن على العيون غِشاوة فتعمى العين عن كل العيوب .
وكأني بنزار قباني في قصيدته قارئة الفنجان يقول:
الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار .
رفقا أيها اللائمون فلو ذقتم شهد الحب ما ٱذيتم المحبين بمرارة العتاب، وكم من محب أحب بضراوة فعميت عينه عن كل النساء
وأختم بقول الشاعر:
ما كنت أحسب قبل بادرة الهوى
أن الأسود فرائس الغزلان
