كورونا بين المنافع والمفاسد

بشري بوغلال | كاتبة من المغرب

من قال أن القرن الواحد والعشرين سيحمل في طياته الكثير من المفاجآت الصادمة في تاريخ البشرية، وأقسى النكبات التي عرفها العالم في يومنا هذا.

فقد جاء وباء كوفيد ١٩ بسلالة جديدة من فيروسات كورونا القاتلة والتي اتخذت منحى تصاعديا فكان لها تأثير أسلحة الدمار الشامل بوضع صامت وخفي ، يكاد يشعرنا بأن كل شيئ على ما يرام، بينما السفاح المتسلسل هذا يحكم قبضته القاتلة على سائر دول المعمور وحتى العظيمة منها، مستهدفا أقوى أنظمة العالم من حيث الإقتصاد والأجهزة الصحية.

متحديا بذلك أذكى المستشفيات وأعتى العقول من مشرق الشمس إلى مغربها، فقد كان كوفيد ١٩ ولا يزال بمثابة نقطة تحول فارقة في حياة الأشخاص خاصة، وعلى مستوى العالم بنظرة شمولية.

وفي ظل هذه الأزمة الصحية الرادعة ، لاح في الأفق ركب هائل من الجيوش البيضاء وكتائب مجندة بقوة العلم وسلاح الأدوية والمضادات متصدية لأخطر عدو عرفته البشرية خلال قرننا هذا.

  فهذا القاتل الخفي كان له دأب النار المنتشرة في الهشيم، فتراه اجتاز كل بقاع العالم بدون إذن ولا تأشيرة دخول مخترقا كل القوانين ومتجاهلا كل أنظمة الدفاع ضد الدخلاء، ضاربا بعرض الحائط خصوصيات الدول وقدسية حدودها.

  وفي ظل هذا الجبروت الصامت والفتك شديد السرية للسفاح التاسع عشر،  فقد لاقى مقاومة شرسة من حماة الوطن الذين كانوا له بالمرصاد في كل مرة حاول فيها التوغل في عمق أوطاننا المقدسة، محدثا بذلك خرابا في الأنفس والأشخاص وتوقفا شبه تام للحياة المعهودة على الكوكب في مشهد مهيب ، متسببا في حظر صحي كامل وتوقفا لجل الأنشطة والأعمال، “راكنا ” بني البشر في زوايا بيوتهم المنيعة،  ومانحا لكوكبنا الأم فترة إستراحة علها تُشفى وتأخُذُ نَفَساً جديدا.

وفي عز ازدهار فيروس كورونا اختفى كل من هب ودب من مُدَّعِي النجومية، وأبطال الشاشات العبثية والذين كان لهم نصيب الأسد من القيل الفارغ والقال المنمق.

  فاسحا المجال للأبطال الحقيقين والمقاتلين الأشداء، مبرزا انتصاراتهم المتتالية في معركتهم الحامية الوطيس ضد هذا الخفي الفتاك، وملقيا الضوء على تضحياتهم الجسام في سبيل حماية الذين نجوا من لعنة الوباء، وإنقاذ الذين أصيبوا بتعويذته وشلت صدورهم المستهدفة بسلالة الكورونا القاتلة.

حيث فقد الكثيرون من جنودنا البواسل في الجيش الأبيض والمرابطين، وحماة الوطن من العساكر والشرطة حياتهم في سبيل تصديهم الشجاع ومقاومتهم الشرسة لاحتواء هذا القاتل ١٩ والسيطرة عليه.

مبدين بذلك وفاءهم للْقَسَمِ وخدمة الوطن، وتأدية الواجب حتى آخرِ نَفَس،مانحين لمن حولهم من المرضى المنكوبين كل الجهد والعناية المركزة من أجل إنقاذهم من براثن موت محقق.

  ومحققين بذلك قول الله تعالى في فرقانه المبين *  أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا * صدق ربنا القوي الشديد.

  فمهما قدمنا من شكر بليغ وامتنان عميق فلن نستطيع أن نؤتي أطباءنا الأبطال وممرضينا الشجعان قليلا من حقهم وإنصافا لمجهوداتهم التي تجلت أمام مرأى العالم وأعينه الساهرة على نقل الخبر من مصدره الموثوق ومن قلب الحدث، مبرزا المعركة المشتدة لملائكة الرحمة في مواجهة هذا المتخفي الصغير، وترصده لبني البشر دون سواهم من خلائق الرحمان وأنعامه.

  ولربما لم تأتي الكورونا لقتل بني آدم فقط،  بل وإبداع شخصيتها السيكوباتية في تصفية كل من يستخف بقدراتها في القضاء على المستهترين وفقراء الوعي، الذين كانت لهم يد سوداء في إنتشار هذه الأخيرة وتوغلها.

   ولربما كان للقاتل المتسلسل هذا غرضا آخر ومبتغى إضافياً، كتربية وتهذيب سلوكياتنا بطريقة أو بأخرى، وترويض خيول مطامعنا الجامحة وإبراز معدننا الطيب والأصيل، المتجلي في الصورة التي طوقت المجتمع بالتكاثف ومظاهر التضامن والتلاحم الإجتماعي ،وترسيخ الجهود المبذولة من أجل كبت جماح القاتل الميكروسكوبي هذا.

  ولعله كان جندا من جنود الرحمان الخفية انطلاقا من قول ذي الملك والجبروت * وما يعلم جنود ربك إلا هو * مرسَلاً لتغيير هذا العالم وإخراجه من دوامة التلوث الأخلاقي والفكري والبيئي،  كما قال ربنا الحكيم في كتابه المبين (عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)  وصدق المولى العزيز.

كما نذكر من حسنات هذه الجائحة العالمية، التواجد المستمر لجميع أفراد الأسرة في المنزل لفترة طويلة والقيام بأنشطة مشتركة، معززةً الروابط الأسرية ومُشَيدةً قلعةَ محبة وأُلفة كنا في أمس الحاجة إليها.

   وأخيرا وليس آخرا فالحديث حول المقتحِمِ غير المرغوب فيه يستدعي أكثر من حديث ونقاش، بينما جف قلمي المسكين وتوجب عليَّ الختم، متمنيةً لكم سيداتي وسادتي حفظا من الوباء و رفعا للبلاء ومتعة للقراء..

في حفظ الله ورعايته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى