مقال

درع قيس الذي ضرب به المثل فقيل: أخطب من قيس!

بقلم: د. أحمد الطباخ
أدَّبَ الإسلام أصحاب رسول وربَّاهم على عينيه وصنع منهم أبطالا ورجالا قادوا العالم وقدموا قيما عظيمة وأخلاقا فاضلة حتى صنعوا المدينة الفاضلة التي لم تعرف البشرية إنسانية مثلما عرفوا وتلك ورب الكعبة خلة عظيمة وسبق ليس له مثيل في تاريخ هذه البشرية وبطل ذلكم رجل والرجال قليل اشتهر في الجاهلية بأنه أخطبهم وأفصحهم وأبلغهم حتى إذا أسلم صار خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقال لحسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم وفد تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا الفاخرة قام خطيبهم فافتخر ثم قام ثابت بن قيس فخطب خطبة بليغة جزلة فغلبهم وقام شاعرهم وهو الأقرع بن حابس فأنشد:
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا
إذا خالفونا عند ذكر المكارم
وإنا رءوس الناس من كل معشر
وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وإن لنا المرباع في كل غارة
تكون بنجد أو بأرض التهائم
فقام حسان فقال:
بني دارم لا تفخروا إن فخركم
يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم
لنا خول من بين ظئر وخادم
فقالوا : خطيبهم أخطب من خطيبنا وشاعرهم أشعر من شاعرنا فارتفعت أصواتهم في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى قوله من سورة الحجرات:”لاترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول ….
وهنا تتجلى تلك الأخلاق ويظهر ذلكم المعدن الأصل وتبهركم تلك الإنسانية من ذلكم الصحابي الجليل عند نزول الٱية فيدخل سيدنا ثابت بيته ويغلق بابه عليه ويتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فيرسل إليه من يسأله ما خبره؟
فقال قيس: أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون حبط عملي!
فقال صلى الله عليه وسلم: لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير .
إنه الأمل الذي بثه النبي في قيس والبشر الذي بشره به لينطلق في مناكب الأرض يبتغي من فضل الله.. ولم يقف الأمر عند قيس بن ثابت عند هذا الحد بل لما أنزل الله “…إن الله لا يحب كل مختال فخور ” أغلق بابه وطفق يبكي ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأخبره
فقال قيس : يا رسول الله؛ إني أحب الجمال واحب أن أسود قومي؟!
فقال صلى الله عليه وسلم: لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة .
ويظل في خندق الحق يقاتل ويجاهد في سبيل الله لا يبخل بنفسه ولا بلسانه الفصيح ولا بعقله الراشد المبدع الخلاق حتى إذا يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة فلما التقوا انكشفوا فقال ثابت بن قيس وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حفر كل واحد منهما له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا.
والعجب العجيب أن يقتل ثابت وعليه يوم اليمامة درع له نفيسة فيمر رجل من المسلمين فيأخذها فبينا رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه فقال له: أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس يستن في طوله وقد كفأ على الدرع برمة وفوق البرمجة رحل فأت خالدا فكره أن يبعث إلى درعي فيأخذها وإذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أبا بكر رضي الله عنه فقل له: إن علي من الدين كذا وكذا وفلان من رقي عتيق وفلان.
يا لها من أرواح سابحة في ملكوت الذات الإلهية يلهمها الله وهي في العالم الٱخر فإن كانت الأجساد قد ماتت فإن الأرواح ما تزال تسبح
أتى الرجل خالدا فأخبره فبعث إلى الدرع فأتي به وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته ولا يعلم أحد من الصحابة أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس رحمه الله ورضي الله عنه وقد ذكر ذلك أبو عمر في الاستيعاب.
هؤلاء هم الرجال أصحاب الأدب العالي والأخلاق العظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحقوا صحبته وكتب الله لهم رضاه ورفقته في جنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى