مقال

على حافة مستنقع..!!

عبد الهادي شلا ـ كندا
بينما أتصفح “الفيسبوك”، توقفت قليلا لأعيد ترتيب ما وقعت عليه عيني من مشاهد وتَجاوَزتُ عن قرأة ما ينشره الأصدقاء وغير الأصدقاء من مواضيع هامة أو نشاطات ثقافية وفنية جادة.
تَوقَفتُ عند هذا الكم الذي استحوذ على مساحة كبيرة في هذا الفضاء الأزرق الذي تم تعريفه بأنه فضاء افتراضي وهذا يعني أنه ممن الممكن أن نُلغي فرضية وجوده في أي وقت شئنا!!
أقول مرة أخرى أنني تَوقَفتُ عند تلك اللقطات المتتالية واحدة بعد الأخرى لفتيات وسيدات من المفروض أنهن “مُـحتشـِمات” يرقصن على وقع موسيقى صاخبة من النوع الرخيص الذي لا يُمكن سماعه إلا في حانات المخمورين أو المدمنين والأعراس التي تقام في حارات يسكنها جهلة أو بكلمة أرحم بُسطاء يرضون هذا النوع من الأغاني الساقطة.
وتَساءَلتُ.. ماذا يجري في عالمنا الذين حكمته قيم وأعراف وتقاليد اجتماعية رصينة وشرعية لا تقبل الشك؟
ماذا جرى لعقول أخذت مكانتها من العلم والمعرفة ومن المفروض أنها تجتهد لتحقيق مكانة عالية بين الأمم حتى تنحدر بهذه الصورة المُـزرية التي لا يقبلها عاقل ولا صحاب قيم وشرف رفيع؟
كيف لسيدة أو فتاة تسمخ لنفسها أن ترقص في فرح حتى لو كان لأخيها بينما عدسات التصوير مصوبة نحوها ولأجزاء حساسة من جسدها وهي تتلوى قد ملأت وجهها إبتسامة الرضى ؟
التفسير المنطقي الذي يُروج لمثل هذه الصور هو “عـُقدة” نفسية نتيجة ضغط مجتمعي وجدت طريقها لحرية آنية تحت ذريعة أنه فرح وأن”ساعة الحظ لا تتفوت..!!!”
بهذا المنطق أصبحت حياتنا تسير ويحرك دفتها قبطان ماهرعرف كيف يفككك روابط المجتمع بداية من الأسرة ومن الفئة المتعلمة بحجة أن الحياة الحديثة تفرض قوانينها وتفتح الأبواب التي ظن البعض أنها موصدة ولا نوافذ فيها للمرح ،ولكن ظنهم يخيب أمام “ولا تنسى نصيبك من الدنيا،وأحسن كما أحسن الله إاليك” فهذه الآية الكريمة لا يمكن تفسيرها على أنها خروج عن آداب المجتمع بقدر ما هي نافذة تطل على حديقة جميلة يسعد القلب برؤيتها والاستمتاع بجمالها.
هذه صورة من مئات الصور التي تصطدم بها عيوننا ونحن نتصفح المواقع ولا أقل منها بذاءة تلك المشاهد الإيحائية التي تأتي بها سيدات وتتباهى بنشرها على الملأ وكأن كل وازع أخلاقي قد تم وَأدهُ بلا تردد وأن الحياة عادت إلى بدائية حمقاء وعصبية رعناء فأصبحت المرأة تُحـَقـِّرمن نفسها بعد أن منحها الله جمالا وعقلا ومكانة ،وبعد أن وصلت إلى تنافس شريف مع الرجل ومع غيرها من النساء الناضجات العارفات بحقوقهن ورسالتهن في الحياة.
المتحذلقون من دعاة الثقافة يجدون المبررات دائما لمثل هذه السلوكيات فيضعون الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والحروب والكوارث الطبيعية عنوانا لهذا الإنفلات،وكأن الخليقة منذ بدايتها لم تكن فيها مثل هذه الصور وبما يناسب وقتها على مر الزمن؟!
الأسباب والمبررات لا تشفع للمرأة بأن يكون جسدها ثمنا ولا مكافأة لينهشه الأخرون ثم يلقونه جيفة للكلاب الضالة.
المرأة هي الأم والأخت والحبيبة والزوجة،فمن سينقذها من عذاب ضميرها ويضمد جرحها حين يمضي الوقت و تواجه أبنائها وبناتها حين يشاهدون صورها يتناقلها أصدقائهم ويعايرونهم بها!
ستمضي الأيام وتصير الفتاة زوجة والمرأة عجوزا وستتأمل وجهها في المرآة بحسرة وندم في لحظة صفاء مع النفس وتعيد شريط الذكريات وما به من صور كانت تتباهى بها وتنافس أخريات وكأن المثل القائل”راحت الَـسكرةُ،وجاءت الفـَـكرةُ ” يُكمل الصورة النهائية لإمرأة تجلس على حافة مستنقع تفوح رائحته النتنة فلا هي مستمتعة ولا هي تشم رائحة عطرة ،بل مشهد كئيب ورائحة عفنة..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى