مقال

٣٥٠ ساعة فوق السحاب مع (حقيبة سفر)

علي جبار عطية| كاتب عراقي
كتابٌ مثيرٌ وقع في يدي بدد كل متاعبي، ومنحي البهجة طوال الساعات الثلاث التي قضيتها معه، وهو يثبت أنَّ الكتابة الحقيقية تصل إلى القلب والعقل من دون استئذان.
عنوان الكتاب هو ( حقيبة سفر) ومؤلفه هو الكاتب والصحفي الرياضي صفاء العبد، وقد صدر سنة (٢٠٠٦) عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بقطر بطبعته الأولى بنحو (۱۸۰) صفحة من القطع المتوسط.
يورد المؤلف في كتابه الذي صنف على أنه كتاب (رحلات) قصته التي بدأها بزيارة له إلى القاهرة وتعرفه على عراف تنبأ له أنه سيقبل في إحدى الجامعات المصرية،لكنَّه سيترك الجامعة بعد أيام، ويعود ليدرس في العراق، وتكون حياته فيها أسفار كثيرة، وسيتزوج من إمرأة تبعد عنه آلاف الأميال، ويخبره بمعلومات عن حياته تكون في الأغلب حقيقية، فهو يحصل على قبول في كلية العلوم السياسية في مصر، لكنَّه يتركها بعد أيام ليعود إلى بغداد، ويكمل دراسته ثمَّ يتزوج من ابنة شخص يعمل في السفارة العراقية في فيتنام، ويحظى برحلات سفر إلى الكثير من دول العالم، وقد بلغت ساعات طيرانه في الجو نحو (٣٥٠) ساعة! يبدأ كتابه المثير من الهند بلد العجائب فيلفت انتباهه شخص هندوسي ببدلة كاملة وربطة عنق أنيقة لكنَّه حافي القدمين والسبب لأنَّه من متصوفة الهندوس ويخشى أن يدوس على حشرة ربما كانت إنساناً تحول بعد الموت إلى حشرة ! ويصف اللبان الذي يمضغه الهنود بأنه : عبارة عن أعشاب مفعولها مثل مفعول القات في اليمن والبصاق يكون أحمر !

ويحكي في فصل (إياكم وإزعاج البقرة) أنَّ السيارات تقف باحترام للبقرة إذا أرادت أن تعبر الشارع، وإذا دخلت سوقاً فلا أحد يعترضها أو يمنعها، ولو قامت بتكسير الزجاج والمواد فلا اعتراض عليها بعكس الثور الذي يعامل باحتقار ! وحين يمزح مع أحد الهنود بأنه يحب أكل باجة البقر يلحظ عليه الانزعاج الشديد. وبرغم الفقر المدقع في الهند فهناك ثراء فاحش يصل إلى تشیید قصور للموتى !
و في فصل (کادوا يذبحوننا) يحكي كيف دخل هو وصديقه معبداً للأصنام في عيدهم وكادوا يقتلونهما لولا تدخل أحد الهنود الذين يعرفونهما، وتوسطه لدى (صاحب المجد) للعفو عنهما . وفي فصل ممتع يحكي عن مدينة الأمطار التي لا تتوقف ( سيليكوري) منذ شهرين، وكيف توقفت الأمطار ساعة واحدة استطاع فريق رياضي عراقي أن يلعب فيها ثمَّ عاودت السماء المطر ! وفي واحد من أمتع الفصول هو (قرد يطاردنا في بنغلور) يحكي عن مدينة بنغلور التي تعد من أجمل المدن وكيف أن قرداً كان يراقبهم على الأشجار في الطابق الثالث من الفندق، وهم يلعبون الورق، كانت النافذة مفتوحة، وحاول القرد أن يأخذ سيجارة صديقه (عصام) الذي امتنع، وحين خسر عصام اللعبة ضرب يد القرد، وبصق في وجهه، فما كان من القرد إلا الصراخ وتهديده بالانتقام ثمَّ حاول القرد الدخول إلى الفندق، واللحاق بعصام الذي فرَّ خائفاً، وتدخلت الشرطة وألزمت الوفد بالمكوث في الفندق ليلتين، وعدم الخروج إلا بحماية، وحين سأل الكاتب مدير الفندق عن القرد أخبره أنَّ هذا القرد هو بمثابة (شيخ القبيلة) وبإمكانه قتل من يهينه بالانقضاض عليه وخنقه !
ويتحدث عن تايلاند ومعابدها التي لا تحصى، ودور المساج التي لا حدود لها التي هي التعبير المخفف عن أماكن بائعات الهوى وكيف يستمتعون بأكل رأس القرود بعد شرب الخمر! وفي باريس تعجبه الحدائق والمحافظة عليها. وحين يزور متحف اللوفر يحاول التقاط صورة مع لوحة الموناليزا، وينجح في ذلك برغم المنع لكنَّ الصورة تظهر سوداء بسبب الضوء العاكس من الصندوق الذي يحفظها !! ويستغرب من السحر والتنجيم الذي يؤمن به الفرنسيون وانكبابهم على فقرة الأبراج في الصحف.

ويمتدح الكوريين وهو يزور كوريا الجنوبية، ويصفهم بأعلى درجات التهذيب والأدب وعندهم أرقى طب أسنان في العالم فأسنان أغلب الكوريين غير منتظمة، ونساؤهم يضعن أيديهن على أفواههن دائماً بسبب رائحة الثوم! ويمر بالمكسيك والدنمارك وهولندا وبنما ويشهد حفل زفاف رجلين في كوبنهاغن! ويتعرض إلى أخطر مغامرة في كندا بركوبه في مرکب قرب شلالات نياغارا التي كادت تبتلعهم. وفي إيطاليا يتعرف على فتاة جميلة، وقبل موعد اللقاء تأتيها نوبة قلبية تؤدي بحياتها.
إنَّ لغة الكاتب سهلة جميلة شائقة تشد القارىء من الغلاف إلى الغلاف، وكان بودي أن يذكر الكاتب تاریخ زياراته لهذه البلدان فالزمن مهم للغاية في قياس تطور البلد.
شكراً لصفاء العبد على هذا الكتاب الممتع وندعو الكتاب الذين سنحت لهم فرصة السفر المستمر إلى توثيق مشاهداتهم وألا يكتفوا بصور السيلفي التي لا تُظهر حتى أحجامهم الحقيقية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى