البياتي وكوكب المريخ!

بقلم: علي جبار عطية| العراق
أعلنت القائمة بأعمال مديرة وكالة ناسا جانيت بيترو الأسبوع الماضي وفقًا لما نشرته صحيفة بوليتيكو Politico الأمريكية السياسية اليومية: أنَّ الوكالة لن تتمكن من إطلاق رحلةٍ مأهولةٍ إلى المريخ خلال السنوات الخمس القادمة مع ضمان بقاء رواد الفضاء على قيد الحياة، مشيرةً إلى أنَّ هذا الهدف غير واقعي في الوقت الحالي، في ظل الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لتسريع خطط الوصول إلى الكوكب الأحمر.
يُعرف المريخ الذي تبلغ مساحته ربع مساحة الأرض باسم الكوكب الأحمر بسبب لونه المائل إلى الأحمر الذي ينتج عن أكسيد الحديد (الصدأ) الموجود بكثرة على سطحه.
بقي حلم وصول الإنسان إلى كوكب المريخ. غير مكتمل، وجميع المهمات التي أُرسلت إلى المريخ كانت غير مأهولة بالبشر، وتضمنت مركبات فضائية، ومجسات، وروبوتات مثل (كيوريوسيتي) و(بيرسيفيرنس) التابعة لوكالة ناسا، بهدف دراسة سطح الكوكب وبيئته.
تخطط وكالتا ناسا وسبيس إكس لإرسال أول بعثة مأهولة بالبشر إلى المريخ بين سنوات (٢٠٣٠م ـ ٢٠٤٠م) ، ولا تزال هذه الخطط في مراحل التطوير والتجريب وتتطلب إيجاد حلول مبتكرة لمشكلات لم يتم التغلب عليها بعد أبرزها حماية الرواد من الإشعاع الكوني، وضمان توفير الغذاء والماء لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وتطوير أنظمة هبوط قادرة على إيصال مركبات ضخمة إلى سطح المريخ بأمان وهو ما وصفته بيترو بقولها : (تستطيع إرسال البشر إلى المريخ، لكن ضمان عودتهم أحياء هو التحدي الحقيقي الذي تواجهه الآن) .
لا تتوفر معلومات كافية عن الحياة في المريخ ولا عن الكارثة أو الكوارث التي حلت بأهله، وكل ما يقال هو تكهنات،وأساطير، وأضغاث أحلام شعراء ! لكنَّ الرغبة في استعمار هذا الكوكب لا بدَّ أن تمر بثلاث مراحل : وهي إرسال رحلات استكشافية، ثمَّ تشييد قواعد للاستيطان، ثمَّ استقطاب رجال الأعمال والعمالة للاستفادة من ثروات الأرض المستعمَرة !!
في أية مرحلة وصل العلماء؟
الظاهر أنَّهم ما زالوا في المرحلة الأولى !
لكن للشعراء رأي آخر..
في حديث إذاعي بُثَ مطلع تسعينيات القرن الماضي عبَّر الشاعر عبد الوهاب البياتي (١٩٢٦م ـ ١٩٩٩م) عن خيبته مما وجده على الأرض من مظالم، وانتهاكات، واستلاب لحق الحياة ، وأعرب عن رغبته في العيش على كوكبٍ آخر يجد فيه ما افتقده من غياب العدالة على كوكب الأرض الذي يصفه في قصيدة (محنة أبي العلاء) بقوله: (ظلام هذا الكوكب الغارق بالأوحال والصقيع).
يعزز ذلك في قصيدته (الموت في غرناطة) ، يقول فيها :
(.. أرضٌ تدور في الفراغ ودمٌ يُراقْ
وَيحْي على العراق
تحت سماء صيفه الحمراء
من قبل ألفِ سنةٍ يرتفع البكاء
حزنًا على شهيد كربلاء
ولم يزل على الفرات دمه المُراق
يصبغ وجهَ الماء والنخيل في المساء
آه جناحي كسرته الريح
من قاع نهر الموت يا مليكتي أصيح
من ظلمة الضريح
أمدُّ للنهر يدي فَتُمسك السراب
يدي على التراب
يا عالمًا يحكمه الذئاب
ليس لنا فيه سوى حق عبور هذه الجسور
نأتي ونمضي حاملين الفقر للقبور
يا صرخات النور
ها أنذا محاصرٌ مهجور
ها أنذا أموت
في ظلمة التابوت
يأكل لحمي ثعلب المقابر
تطعنني الخناجر
من بلدٍ لبلدٍ مهاجر
على جناح طائر..)
لقد شرب الشاعر عبد الوهاب البياتي من كؤوس المنافي خلال رحلته الشعرية والسياسية والحياتية فعاشها بالطول والعرض في بلدان عدة منها العراق، وإسبانيا، والاتحاد السوفيتي السابق، وإيطاليا، ومصر، ولبنان والأردن، وسوريا، وغيرها، وتجده في قصيدة (عيون الكلاب الميتة) يقول :
(سفن الفضاء تعود من رحلاتها
عبر الفراغ الموحش الأبدي
والضوء البعيد
ينهل من نجم ويموت
وكواكب أخرى تموت
وضوءها ما زال في سفر إلينا
عبر آلاف السنين
وكائنات لا ترى بالعين).
هل يا ترى يأتي اليوم الذي نصطدم فيه بحقيقة كوكب المريخ كما تبددت صورة القمر بعد الوصول إليه، وقد وصفها الشاعر محمود درويش في قصيدته (جواز السفر) بقوله : (لا تتركيني شاحبًا كالقمر)؟