أمة متفرقة وأمجاد ضائعة
د. أحمد الطباخ
ما بين اليوم والأمس تاريخ امتلأ بالأحداث التي مرت على هذه الأمة التي تعاني اليوم أوجاعا وتبكي أحداثا جساما وهي لا ندري ماذا تفعل ولا كيف الخلاص؟ ودائما الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر ولا يملون من حياكة أحداث تتابع على أرضنا لنظل ندور في حلقة مفرغة لاتنتهي من التشرذم والتفرق لتظل أمتنا تعيش ما نراه اليوم وكما قيل وهل يأكل الذئب من الأغنام إلا الشاردة والقاصية التي تنكبت طريقها وضلت سبيلها ولم تعرف عدوها من حبيبها وإنما اتخذت عدوها صديقا لها وذلك لأنه دس لها العسل في السم وخدعها لتعيش أسطورة السراب بعد أن أقصاها ومزقها فرقا متحاربة وشتت شملها وقد عاشت هذه الأيام في فترات من تاريخها عندما كانت تصنع الأمجاد وتبني لنفسها بين أمم الأرض الحضارات لما كانت متمسكة بدينها حريصة على وحدة كلمتها وترتيب أولوياتها دون أن تنشغل بسفاسف الأمور وإنما كانت حريصة على معاليها مهما كلفها ذلك وما حكم العرب في الأندلس عنا ببعيد عندما حكمت الأمة حكما رشيدا فأقامت العدل والمساواة واهتمت بالعلم والعلماء وتوحدت كلمتها واعتصمت بحبل ربها لا تخشى إلا الله ولا ترفع الا راية واحدة فلم يكن بينها هذا التفرق والتشنت الذي أضاع أيامها في القيل والقال والجدال في كلام لا يقدم بل يؤخر حتى صرنا أمة ضحكت من جهلها الأمم بعد أن كنا سادة العالم علما وخلقا ومجدا وجهادا وعزا وسيادة والتاريخ ينطق بأيام خلت ومضت كان لدولة الإسلام أمجاد وصولات وجولات في الأندلس عندما فتحها العرب وحكموها ما يزيد على الثمانين مائة عام وقد قدموا للعالم كل وسائل الرقي وأدوات العلوم ومفاتيح العمران والبناء وأنشاوا المكتبات وفتحوا أبواب البلاد لكل الأديان والأجناس ليعيش الجمع في ظل الأمن وتحت مظلة الإسلام ينعم بخير الإسلام وفي نهاية حكمهم تنازعوا أمرهم وتحاربوا على سلطة وسلطان وملك حتى صار الولد يقف ضد أبيه بل يتعاون مع أعداء أبيه ليكيد له ويزيد ويعقد معه عهود الحرب والقتال ليقاتل أباه من أجل دنيا ووهن أصابهم فجعلهم شذر مذر ووصل الأمر إلى ذروته بالقضاء على بني الأحمر في غرناطة وتم طردهم وإبادة المسلمين إبادة لم تبق أحدا في الأندلس ليفقد المسلمون فردوسهم الذي فقدوه بل أضاعوه كما يحدث اليوم بتلك الحالة التي جعلتهم اليوم يتركون أنفسهم لقوى عالمية لا تريد لهم إلا الضياع فليس للأمة بعد الله الا اتحاد واعتصام فهو سر قوتهم وضمان المحافظة على مقدساتهم وطريق الخلاص وذلك أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالمحافظة على هذا الدين والتمسك به ولكي تعود لهذه الأمة أمجادها فلابد من الأخذ بمفاتيح القوة وهذه كما كانت من قبل وإنما صار اليوم هو العلم الذي به يتحقق للأمة قوتها وعزتها وأمجادها فقوة العلم أشد من قوة المادة إذ بالعلم تمتلك الأمة الأسرار ولكن لن يتم ذلك وأمتنا تتبع أهواءها وتلهث خلف شهواتها ولا تضع الله نصب عينيها ووجهتها .