مقال

أُكذوبة الحياد الإعلامي

علي جبار عطية| كاتب عراقي

كشفت الأحداث الدراماتيكية الأخيرة في غزة ولبنان وسوريا عن أُكذوبة ما يسمى بـ (الحياد الإعلامي) ، ذلك المصطلح غير المطبق على أرض الواقع، وعند متابعة التغطيات الإخبارية تظهر التوجهات في القنوات (المستعربة) على حقيقتها فلا يُدهش المستمع وهو يجد (الإرهابي) قد صار (ثائراً)، وأنَّ التنظيمات المتشددة تصبح (المعارضة)، ويصبح التلاعب بالكلمات على أشده في تعابير مثل (المختطفون) أو (الأسرى)، و(عملية انتحارية) أو (عملية استشهادية)، و(الإرهاب) أو (العنف)، وغير ذلك كثير، وكل قناة ولها توجهها وخطابها الكاشف عن غاياتها، والنتائج التي تريد أن تصل إليها، وإنْ داست على القيم الإنسانية ومبادىء الإعلام والمهنية.
قنوات سمينة، تتحرك في بروجٍ محصنةٍ، ولها مشاهدات كثيرة تجد الترحيب بها على أعلى المستويات في أي مكان تحل فيه حتى في مناطق النزاع، والنقاط الساخنة ، ويمكنها أن تدخل حتى إلى غرف نوم المسؤولين والساسة ، وتتقصى أدق التفاصيل، ولا تفوتها شاردة ولا واردة،لكنَّها سقطت في مستنقع اللاحيادية، واللامبدئية، وضربت عرض الحائط كل المبادىء المهنية، ولم تكتفِ بأن تصطف مع القتلة والمجرمين في تسويغ قتل الناس، وإنَّما تمارس أبشع فعل، وهو تجميل القبح، وتقبيح الجمال،مع أنّها تدعي في فواصلها الإعلانية أنَّها أمينة في نقل الحدث، وأنَّها تلتزم بالحياد الذي هو (عدم المَيْل إلى طرف من أطراف الخصومة)، وهذا خلاف ما تطبقه من أجندات واضحة للعيان في تعاطيها مع قضايا كانت تعد جوهريةً في حياة المنشدين للنشيد التراثي :(بلاد العرب أوطاني /من الشام لبغدانِ) !
ونتساءل : هل كنا مخدوعين حين نقرأ بإعجاب أنَّ المفكر الفرنسي جون بول سارتر وقف ضد احتلال الجزائر، وواجهت جريدة (ليبيراسيون) التي يرأس تحريرها، انتقادات حادة بدعوى معاداة المصالح العليا لفرنسا لكن سارتر، ومن موقف مبدئي يرى أنَّ الحياد لا يمكن أن يكون سابقاً على قيم الإنسان المدافعة عن الحرية والعدالة والأخوة وهي الشعارات المؤطرة للثورة الفرنسية.
لكن لحسن الحظ فإنَّ وسائل التواصل ربطت أبناء الكرة الأرضية ببعضهم، وصار الحدث عابراً للقارات برغم كل المحددات والقيود والحظر، وفي هذا تعويض مكافىء لتشييع حيادية الإعلام إلى مثواها الأخير !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى