الناقد الأدبي د. جمال فودة في حوار مع عالم الثقافة

حاوره: مجدي بكري
الدكتور جمال فودة ناقد مصري مقيم بسلطنة عُمان وحاصل على المركز الثالث على مستوى الوطن العربي في النقد الأدبي من المنظمة العالمية للإبداع بلندن، وله مؤلفات أدبية ونقدية ولغوية، منها: “ظاهرة الاغتراب في شعر مجاهد عبد المنعم مجاهد” (دراسة فنية) (منشورات كلية الآداب جامعة بنها، ومكتبة عبد العزيز البابطين بالكويت)، و”مستويات البناء الشعري” (دراسة أسلوبية) منشورات كلية الآداب جامعة الزقازيق، ومكتبة العبيكان بالمملكة العربية السعودية)، و”بنية التضاد في شعر الستالي” (دراسة فنية موضوعية) منشورات (مكتبة العبيكان) المملكة العربية السعودية، و”مائة سؤال وجواب في قضايا النحو والإعراب”، منشورات (مكتبة الهلال/ سلطنة عمان)، و(مكتبة العبيكان) المملكة العربية السعودية، كما نُشرت مقالاته في عدة صحف ومجلات عربية.
على أي أساس تنتقي نصوصك التي تسلط عليها أضواء النقد وتتناولها بالدراسة؟
غالباً ما أجد شيئاً لافتاً يشدني لقصيدة ما، وإن شئت قلت كأنها إشارة خفية تستوقفني عندها ،وهذه سمة جمالية ونقدية ممتعة يحسها الناقدعند قراءة القصيدة .
تختلف رؤية الشاعر للنص الأدبي عن رؤية الناقد، ما سبب هذا الاختلاف؟
مرد الاختلاف إلى الزاوية التي ينظر منها كلاهما للنص الأدبي، والاختلاف أمر طبيعي بين الأديب المبدِع والناقد نتيجة ذلك التفاوتبين رؤية الأديب الذاتية، وبين رؤية الناقد الموضوعية.
ولابد أن ننوه لدور الشاعر في النقد، وهذا ما يذكرنا بـ (الحوليات)، وما كان يفعله الشاعر (زهير بن سلمى) من إعادة النظر في قصائده مدة قد تستغرق حولاً أو أكثر، لكنّ(الذاتية) تقف حائلاً أمام الحكم الموضوعيّ في معظم الأحوال، وهذا ما يقوم به الناقد.
أيُّ الفنون الأدبية تراها أهم وأقوى؟ وهل كما يُقال: هذا زمن الرواية وليس زمن الشعر؟
دعنا نتفق أنه لا سبيل إلى أي لون أدبيّ كيينافس الشعرفي التعبير عن المشاعر والعواطف، أما إحلال فن أدبي مكان فن آخر فهذه مسألة من الصعوبة بمكان؛ إذ لكلّ نوع أو فنّ أدبي ميّزته الخاصّة التي لا تجدها في غيره،والمفاضلة بين الفنون أمر قديم في أدبنا العربي، وإن أوشكت تلك الحدود بين فنون الأدب أن تزول.
أنت كناقد أدبي من وجهة نظرك ما الذي يمنح العمل الأدبي الخلود ويسمه بالتميز؟
“الخلود”في العمل الأدبي مسألة نسبية يحكمها أمران: هما: جوهر العملالإنسانيّ،وأصالته الفنّية،والتفرد في الأدب كغيره في جميع المجالات يتأتّى من الجودة والتميز؛أعني توفّر العمل الأدبيّ على الإبداع والابتكار، وهي أمور نسبية بكلّ تأكيد، وبها تتفاوت القيمة الإبداعية للأعمال الأدبية.
كيف يكون الناقد موضوعياً، والنقد في جوهره يعتمد على الذوق؟
ـ لا خلاف حول دور الذوق في نقد الشعر فهو الأساس، ولكن ليس كل من قال رأياً في الشعر يٌعتدٌّ به، إذ لابد لله من أمرين:
الأمر الأول؛ أن يكون دارساً متخصصاً مٌلماً بأصول النقد، مطلعاً على أمهات الكتب، قارئاً واعياً لرواد النقد الأدبي قديمه وحديثه، فلا يخالف ما اتفقوا عليه، فقد اختلف النقاد في كثير من الأشياء، لكن ما اتفقوا عليه ليس لأحد أن يخرج عنه.
والأمر الثاني: هو المران أو الدربة على النقد،فهي التي تصقل الذوق، وتكشف مواضع الاستحسان أو النقد،والأصل أنّ الحُكم النقدي القائم على المنهجية والتوصيف والتحليل والتفسير المستند إلى اتجاه نقديّ واضح هو الذي يقترب بالناقد من حدود الموضوعية البشرية الممكنة.
ماذا عن المشهد الشعري في عمان؟
يستند الشعر العماني إلى وعي جمالي خاص، فيرفض الجاهز ويعادي التقليد،فهو أفق مفتوح على أشكال عديدة ومتنوعة؛ فهو يتحقق في أنساق إيقاعية لا حصر لها منها ما يعتمد العروض الخليلي، أو النسق التفعيلي،أو النسق النثري … وغيرها من أشكال التعبير الشعري،إنه نافذةنطل منها على التجربة الإنسانية في أبعادها المختلفة وتجلياتها المتعددة. وما من شك أن هذا التصور للعملية الإبداعية من شأنه أن يقود إلى تطوير تجربة الشعر العماني.
ورغم انتشار الشعر الحر وسيطرته علىالساحة الأدبية،مازال بعض المبدعين يدين بوفاء منقطع النظير للقصيدة الخليلية؛ لأنهم يرون أن الشاعرية لا تختص بشكل محدد،ولكنها سمة لكل نصٍ توافرت فيه عناصر الإبداع التي تخرجه من سياق التواصل الإخباري العادي إلى سياق التواصل الجمالي، وعلى رأسهم يأتي الشاعر الكبير هلال السيابي.
أنت كناقد هل تضع القارئ في حسابك عند دراستك لنصٍ ما؟
الناقد الذي لا يحترم عقل القارئ لن يجد له مكاناً في الساحة الأدبية، وسوف ينتهي به الأمر إلى التجاهل، فضلاً عن العداء الذي سيصيبه نتيجة نظرته الدونية لقارئه ، وهذا هو المصير الذي واجهه كثير من نقاد الحداثة الذين أغرقوا دراساتهم في المصطلحات والإحصائيات والرسوم البيانية والمخططات معتقدين أنهم بذلك يسهمون في تفسير النصوص التي يقومون بتحليلها ، فإذا هم يحولون الممارسة النقدية إلى طلاسم وألغاز لا يستطيع القارئ فك شفرتها، وكانت النتيجة مقاطعة القراء للنقد ، وأصبح النقاد يكتبون لأنفسهم أو لقلة ممن يسيرون على منهجهم .
فلابد من الاهتمام بالبعد التواصلي في الممارسة النقدية بحيث يشعر المتلقي بأنه معني بالخطاب النقدي. وخير دليل على ذلك التجربة النقدية التي قدمها طه حسين؛ حيث استطاع أن يقدم لقطاع عريض من قراء الصحف مادة نقدية عميقة تتعلق بالشعر القديم بأسلوب بياني سهل ساعد القراء – على اختلاف طبقاتهم – على تمثل هذا الشعر وتذوقه.
ما زالت قصيدة النثر مهمشة وسطحية في نظر الكثيرين، ما رأيك بهذا كناقد ذي خبرة واتصال بحركة الشعر العربي الحديث ؟
كل قديم كان جديداً في أوانه، وكل جديد سيصبح قديماً يوماً ما بعد فوات زمانه، هذه سنة الحياة، وليس بين العلوم الإنسانية علم هو أمضى في التقدم وأبعد عن الثبات والجمود من الأدب؛ وذلك بحكم طبيعته المتصلة بالمجتمع الذي تتبدل ملامحه يوماً بعد يوم، فضلاً عن اعتماده على الذوق الذي يختلف من أمة إلى أمة، بل غالباً ما تختلف أذواق أبناء الأمة الواحدة من جيل إلى جيل.
والآن تغير الموقف من قصيدة النثر، فشتان بين ما وصلت إليه اليوم وما كانت عليه بالأمس، إذفُتحت لها الأبواب المغلقة؛فتيسر نشرها وقراءتها ودراستها وبحثها أكاديمياً. وتضاعف عدد كتابها بشكل كبير قياساً بعمرها.
وإن كانت لدي بعض التحفظات عليها كمنجز ثقافي لم يعلن عن قوانينه. وغياب تلك القوانين سمح لكل من هبّ ودبّ أن يكتب كلاماً عادياً ويسميه شعراً، ولا يحق لنا الاعتراض! بالتالي كثر الشعراء وقلّ الشعر.
هل تعتقد أنَّ النقد الأدبي في أزمة تحول بينه وبين متابعة النتاج الأدبي ؟
لا يمكن للنقد متابعة كل النصوص الأدبية على اختلاف أنواعها، وهذا ليس عجزاً عن النقد أوضعفاً في الرؤية النقدية،لكنها المنهجية النقدية التي لا يجب عليها أن تتابع (كل) ماينشر، بل تبحث عن الإضافة والتنوع والتجدد،وأزمة النقد في المنهجيات أولاً،ومحاولة تبنيها دون تدقيق أو رفضها بالحجج المعهودة ذاتهاثانياً، فهي أزمة منهجية جمالية أدت إلى غياب التطبيق والتحليل النصي الذي يصنع نصاً نقدياً موازياً للنص الأدبي.
وأعتقد أنَّ قلة تراجم الجماليات النصية،وقراءة النصوص النقدية من أسباب أزمة النقد المعاصر.



