ثقافة الموت

جميل السلحوت| أديب فلسطيني

كلّ الأحياء نهايتهم الموت، وهذه حقيقة يعلمها البشر جميعهم، وإن كانوا لا يكترثون بها، وكأنّهم خالدون في الحياة، وإذا كانت طقوس الموت والتّشييع تأخذ أشكالا مختلفة بين البشر تبعا لاختلاف معتقداتهم وثقافاتهم، إلا أنّ هناك اجماعا بضرورة الخلاص من جثمان المتوفّى بالدّفن أو بغيره، لكن في الأحوال كلّها فإنّ احترام حياة الانسان، وحقّه في الحياة الكريمة لا خلاف عليها بين البشر، وإن كان البعض لا يسأل عن حياة آخرين لأسباب عقائديّة أو عرقيّة، وما يهمّنا هنا هو طقوس الدّفن وتشييع الموتى في بلداننا، وإذا كان “إكرام الميّت دفنه”وهو فضيلة للحرص على عدم تحللّ جسد الميت قبل دفنه، فإنّ ما يجب الالتفات إليه عندنا هو تشييع جثامين شهدائنا وهم “خير من فينا”، فهل ننتبه إلى بعض الأهازيج التي يردّدها كثيرون مثل: “بالرّوح بالدّم نفديك يا شهيد” فهل يُفتدى الشّهيد؟ وكيف وهو متوفّى؟ أم أن تكريم الشّهيد يكون بتكملة رسالته التي لقي حتفه من أجلها؟ ثمّ يأتي النّعي في الصّحف سواء من ذوي الرّاحل أو من مؤسّسات وتنظيمات وأحزاب، وغالبا ما يتصدّره: “ننعى بفخر واعتزاز….” فعن أيّ فخر وعن أيّ اعتزاز نتحدّث؟ وهل ارتقاء واحد من أبنائنا سلّم المجد يدعو إلى الفخر والاعتزاز؟ وهل ننتظر هكذا ساعة لنبدي فخرنا واعتزازنا بذلك؟ ويصاحب عمليّة التّشييع هتافات وربما اطلاق عيارات ناريّة، وذات تشييع جنازة شهيد، وكانت الصّحافة متواجدة، سأل صحفيّ فرنسيّ عندما أحضروه لتصوير والدة الشّهيد الثّكلى بعد أن طلبوا منها اطلاق الزّغاريد في جنازة ابنها، فسأل: هل تحبّون الموت؟ وهل تحزنون على أبنائكم عندما يقتلون؟ وهل هذه من معتقداتكم الدّينيّة؟
وإذا كنّا نؤمن بأنّ الشّهداء أحياء عند ربّهم يرزقون، وأنّ لهم ثوابا عظيما، فإنّ الشّهادة لا يعلمها إلا الله، لكنّ المجاهدين يقاتلون لتحقيق النّصر، وهم يتقبّلون الموت في سبيل ذلك، وهم يحرصون على الفتك بالعدوّ لا بأنفسهم.
لكنّ الذي يدعو إلى التّفكير، بل وإلى إعادة حساب الذّات عندما يعلن البعض عن فتح بيت العزاء، لتقبّل التّهاني باستشهاد الابن! والتّهاني عادة تكون في المناسبات السّعيدة، فهل يسعد والدا الشّهيد وذووه باستشهاد ابنهم؟ وهل نحزن على أبنائنا الرّاحلين أم لا؟ ولنتذكر ما ورد في الأثر من أنّ الرّسول الكريم عليه الصّلاة والسّلام قد حزن وبكى ابنه ابراهيم عندما توفي: “إن القلب ليحزن، وإنّ العين لتدمع، وإنّا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون” وما الحزن إلا صفة إنسانيّة تماما مثلما هو الفرح، لكن لكلّ منهما أسبابه، وبالتّأكيد فإنّ الموت ليس سببا للفرح.
وإذا كان استشهاد إنسان ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز، ويتوجّب تقبّل التّهاني فهل هكذا سلوك يحمل في طيّاته براءة للقاتل من دم القتيل؟ وإذا كان الأمر كذلك فإنّه يستحق الشّكر أيضا؛ لأنّه جلب لنا الفخر والاعتزاز! وهذا ما لا يقبله عاقل.
ومن ثقافة الهبل التي يجب إعادة النّظر فيها بل وضرورة استبدالها هو الطّلب من أمّ الشهيد أو زوجته، أو شقيقاته، أو قريباته باطلاق الزّغاريد أثناء تشييعه، ومنعهنّ من “الزّغردة” والفرح في زفاف شقيقه الثّاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى