أدب

عَبرات و عِبَر من سورة يوسف

أ. سعيد مالك|أ. معلم لغة عربية – مسقط
سورة يوسف من السور القرآنية التي اختصها الله بسرد قصة متكاملة للنبي يوسف عليه السلام، وجاءت بأسلوب أدبي فريد يجمع بين التشويق والدروس التربوية والروحية. وقد قال الله تعالى في خاتمة السورة: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي ٱلْأَلْبَٰبِ (111)} (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم)، مما يؤكد أنّ الغاية من عرض القصة ليست المتعة فحسب، بل العظة والتأمل. وفيما يلي أبرز العِظات والعِبر:
أولا : الصبر طريق الفرج:
منذ بداية القصة نرى يوسف عليه السلام يُلقى في الجبّ صغيراً، ثم يُباع عبداً، ثم يدخل السجن ظلماً، ومع ذلك ظل ثابت الإيمان. قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ (90)} (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن).
ثانيا :الحسد يفسد القلوب:
إخوة يوسف حسدوه لما رأوا محبة أبيه له، فتآمروا عليه قائلين: {ٱقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا (9)} (ابن عاشور، التحرير والتنوير). الحسد كان بداية الانحراف والعداوة بينهم، وهو درس بليغ في خطورة الغيرة.
ثالثا : كيد النساء وضبط النفس:
ابتُلي يوسف بمراودة امرأة العزيز، لكنه صمد قائلاً: {مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيٓ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ (23)} (الزمخشري، الكشاف). العبرة هنا أنّ العفة ثمرة الإيمان القوي.
رابعا : السجن قد يكون منحة:
دخل يوسف السجن ظلماً، لكنه استثمر محنته في الدعوة إلى الله، فكان يعلّم رفاقه التوحيد قبل تفسير الرؤى: {يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُٱلْوَٰحِدُٱلْقَهَّارُ (39)} (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم).
خامسا : فضل الصدق والوفاء:
يوسف لم يخن الأمانة، ولم يقبل الظلم، بل صبر حتى ظهرت براءته. قال تعالى: {قَالَ ٱلْمَلِكُٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي (54)} (ابن عاشور، التحرير والتنوير). جزاء الصدق هنا كان التمكين.
سادسا : العفو عند المقدرة:
أعظم موقف حين واجه يوسف إخوته الذين أساؤوا إليه فقال: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ (92)} (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن). هذا قمة العفو والتسامح.
سابعا : تدبير الله فوق كل تدبير:
إخوة يوسف دبّروا للتخلص منه، لكن الله جعل كيدهم سبباً لرفعة يوسف. قال تعالى: {وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} (سيد قطب، في ظلال القرآن).
ثامنا : أهمية حسن الظن بالله:
يعقوب عليه السلام لم يفقد الأمل رغم طول الغياب فقال: {عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا (83)} (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم). هذا نموذج لحسن الظن بالله.
تاسعا : الاعتراف بالذنب بداية التوبة
إخوة يوسف اعترفوا بخطئهم قائلين: {تَٱللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَٰطِـِٔينَ (91)} (الزمخشري، الكشاف). الاعتراف بالذنب بداية الطريق للتوبة.
عاشرا : اليقين بأن العاقبة للمتقين
قال تعالى في خاتمة السورة: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي ٱلْأَلْبَابِ (111)} (ابن عاشور، التحرير والتنوير). ليؤكد أن النهاية دائماً للمتقين.

الخاتمة
سورة يوسف مدرسة متكاملة في الإيمان والتربية. فيها دروس في الصبر، العفة، التوكل على الله، العفو عند المقدرة، وحسن الظن بالله. وهي قصة تبين أن طريق الابتلاء ممرّ للتمكين، وأن عاقبة الخير لأهل الصبر والتقوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى