الحب المنشود أكسير الحياة

الكاتبة الصحفية المغربية| بشرى بوغلال
ومن الحب ما قتل…. عبارة شهيرة تلوح في الأفق كلما خَطُر الحب ببالنا أو تردد على مسامعنا.
فمن منا لم يقع في الحب يوما؟ وكيف تمنينا الحب وكيف وجدناه؟ وماذا كانت الكلمات في البداية والمشاعر المحيطة بها ؟ وإلى أين قادنا هذا الشعور النبيل؟ وهل يا ترى كانت كلمات الفراق محاطة بنفس مشاعر البدايات ؟ فماذا إن لم يكن الحب سوى حلم وردي سقيناه برحيق العشق وسقانا مر الفراق في لوحة دافنشية عنوانها اللوعة والأسى..؟
كلها أسئلة تراود أهل الحب ومعشر العشاق في محاولة منهم لفهم هذا الشعور الذي يعتبر من أقوى الحالات العصبية الدائمة، ونوع من أنواع الكيمياء التي لا يمكننا التحكم بها من المنظور العلمي.
فعند الوقوع في شراك الحب يفرز الدماغ مجموعة كاملة من المواد الكيميائة التي تؤثر على سلوكياتنا من حيث التركيز على كل الجوانب الإيجابية للمحبوب، والتجاهل التام لكل سلبياته ومساوئه.
فلهذا الأخير وقع عميق على المجتمع بصفة عامة، وكثيرا ما تربطنا علاقات حب وحالات عشق مع أناس تكاد تُذْهِبُ العقول وتُفْقِدُ الألباب.
فعلميا لمشاعر الحب مفعول مماثل لمضادات الإكتئاب، وسيل متدفق لهرمون السعادة “السيروتونين” حيث أن الحب يلعب دور العقار السحري في توزيع حصص كبيرة من السعادة والشعور بالرضى بين الأشخاص الواقعين في شراكه الرائعة ، حيث يصبح أهل الحب ومدمني المخدرات في كفة واحدة وذلك من خلال تعرض علاقاتهم لنكسات صغيرة والتي أصنفها ضمن بهارات الحب ومِلحِه.
ومن هذا المنطلق نستشعر قيمة هذا الشعور النبيل كونه نعمة لا مثيل لها، وبذرة عشق زُرِعت في قلوبنا بيَدَيْ مالك الملك والملكوت.
ومن عجائب صنعه أن خلق لكل نفس زوجا تسكن إليها وتهدأ لها في طمأنينة ورحمة، مصدقين بذلك أعظم آيات المبدع سبحانه وتجلياته في الوجود وفي فطرة عباده كما جاء في سورة الروم ٢١ “((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون))”
فما الحب إلا آية من آيات الله ، علينا نحن كبشرٍ نحمل في صدورنا قلوبا تنبض بالمحبة والعشق ،التَّأَمُّلَ فيها والتدبر في أبعادها لعل قلوبنا تغدو للإيمان مستقرا.
فقد فطرنا الله العظيم على قيم الحب السامية واضعاً لنا خطوطا حمراء ينبغي احترامها وعدم تجاوزها مهما بلغنا من درجات العشق وتسلقنا من سلالم الحب والمشاعر النابضة.
فغض البصر وحفظ الفرج والتعفف عن الحرام من شيم الحب المقدس الذي لا يعرف إلى الدَّنَسِ سبيلا، ومن أقوى البراهين على ذلك قول الله عز وجل في هُداهُ المبين “(( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون (٣٠) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن “)) صدق رب العزة والجبروت.
فما أعظم أن تجد من يأخذ بيدك للهدى والرشد، ومن تتراقص روحك معه في انسجام و ودٍّ مجتمعين على السعي لله سوياًّ في طريق ملؤها الحب المقدس.
لكن في زمننا هذا وفي ظرفيتنا الآنية هذه إزدهرت الرذائل وتفشت الخطايا في مجتمعاتنا كتفشي أعتى الأوبئة وأشرسها تحت مسمى “الحب والحرية الشخصية” .
فقد كان لهؤلاء دأبَ المفسدين في الأرض والمعتدين على قدسية الأشياء وتشويه جماليتها التي طالتها أياديهِمُ الآثمة، حتى أصبح “الحب” عبارة عن سلعة متداولة تتصاعد أسهُمُهَا وتنهار في بورصةِ المشاعر المزيفة والعلاقات المدنسة، مُفْقِدَةً الحبَّ الصادق والبريئ بريقه العذري ومعانيه العميقة، حتى أضحتِ الأغلبية الساحقة لا تجد سبيلا للتمييز بين ” الحب الحقيقي ” والرغبة، وهنا تكمن مُصيبَتُنَا .
فكم من قلوب فُطِرَتْ ولم يكن ذنبها سوى أنها أحبت بعمق في زمن اندثرت فيه قيم الحب وأصبح نكث الوعود فيه مشروعا، فكم من نفسٍ ذاقت ويلات الفراق واكتَوَتْ بناره على أيدي أولئك الذين اقتحموا حرَمَ قلوبنا مستولين على مقاليد الحكم والبطش بأفئِدَتنا التي لا تملك لنفسها سوى الدعاء أمام قسوة المستعمر المحبوب وفتكه بها، فبعمق البحر أحببناهم وبعمق البحر كان ما وراء غدرهم.
حتى لم يعد من العجب أن تُسقى كأسَ المرارة وسُمَّ التخلي من أولئك الذين نبض لهم القلب واحترق لوعة وشوقاً ،في ما يشبه معادلة معقدة وغير عادلة من التنكر للعهد والوعد والموعد…
فلربما كانت تلك هي بعض الركائز التي جبلت عليها أنفسهم، والأسس التي بُنِيَتْ فوقها أفكارهم اللعوبة ومشاعرهم العابثة وخفايا تفكيرهم.
فقد تصاب بالحيرة حين تسمع مُدَّعي الحب ومتصنع الود ينسج أحلى عبارات الولَهِ وأشدها وقعا على القلب ويسقيها بأدمع تماسيح مزيفة ، تكاد تشعرك بأنك سيد القلب بلا منازع أو غريم.
فيقدم لك حججا وبراهين ترى من خلالها أن الحق وأن حبه كبير لا محالة .
في محاولة منه للتمكن من عرش قلبك والتربع عليه وغالبا ما يفلح في مبتغاه، ليأتي بعد ذلك على كل ما تملكه من حب صادق وأحاسيس بريئة وما يصاحبها من عطاء لا محدود وحب لا مشروط في سبيل إرضائه، وبذل الجهد لإسعاده بكافة الوسائل الممكنة، عَلَّكَ تلمح في المقابل نظرة حب في عينيه وعَلَّهُ يجود عليك ببضع كلمات منمقة صفراء، لتستمر أنت في إشعال أصابعك وإحراق روحك لإنارة ظلمته.
وكما وُجِدَ للحب تلامذة مبتذلين، وُجِدَ له الكثير من الصادقين فيه والورعين في محرابه، أولئك الذين تغني قلوبهم حيناً وتخرس نبضاتهم أحياناً كي تمتلئ كليا بألحان الحب وأوتاره وآهاته الشجية والضاحكة.
فكثيرا ما تهتز روحي منتشية كلما أتاني ذلك الواقف بعيدا في أقصى الروح في عز مناماتي الحالمة، وكثيرا ما أقفز فور صحوتي كأنثى أرنب بري من فرط الحيرة وشدة الشوق كلما تغيبت عن خاطره.
فأنا مثلا أسمع قلبي يغني كلما أطعم المعشوق ذاكرتي بثمار شجرة الحب وبذور الهوى، حتى أكاد أطير و أطير وأستحيل هواءً وقتها لأملأَ كل شيئ وأعشق كل شيئٍ.
فالصادقون في الحب لا يمَلُّون، وكلما تهاونت في حب نفسك وانقطع نفَسُكَ ثاروا وانتفضوا ممسكين بيدك في قبضة مُلِحَّةٍ ، وهامسين لك بنبرة صوت موسيقية أنقى عبارات العشق وأصفى كلمات الوِجْد والوله، فتجد نفسك و رغما عنك تنصت إليهم بِنَهَمٍ يلفه جمال روحاني تكاد تأكله وتتشربه حواسك كقطعة إسفنجية، وترغب في احتواء أي شيء منهم وكل شيء…
فالسلام وكل السلام على قلوب اعتنقت النبل وزهدت في النفاق..
السلام وكل السلام على عاشق يرى معشوقه في نفسه ولا يرى نفسه، مترنما بأعذب ترانيم الحب في كل ليل..وكل حلم .. وكل نومْ
وكل السلام على القلب المتغني بك..الشادي بذكرك والمتيم بالوفاء إليك.
وكلماتي هذه أهديها لكل من تعذب في سبيل إحياء ذكرى الحب الصادق ، ولكل من علمني أن ” الحب” هو شعور عظيم مخلد، وسحر جميل يغمر قلوبنا فيجعلها تشعر بالحياة…
شكرا لمن علمني أن الحب النابع من القلب قوة كافية لمواجهة كل الصعوبات التي تعترض طريقي، وكل الإمتنان لمن علمني أن الوفاء فضيلة يعجز عنها أغلب البشر.
فليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب، وليس السكوت الذي يحدثه الملل كالسكون الذي يوجده الألم.. وأحرفي هاته لذلك الداخل إلى قلبي كطعنة السكين ولكن بلا أمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى