
بقلم: عوض الله الشيخ عوض | السودان
تمرُّ سلطنة عُمان هذا العام بذكرى خَمْس سنوات على تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – مقاليد الحكم، في لحظة وطنية مكلّلة بيومها الوطني الخامس والخمسين. هذه الذكرى ليست مجرد مرور لسنوات، بل محطة مهمة لتقييم الإنجازات، والتجديد في العزم، والتأكيد أن مسيرة النهضة التي يقودها جلالته تستند إلى رؤية طموحة ومستقبلية.
منذ توليه الحكم، كرّس جلالة السلطان هيثم جهوده لتعزيز استقرار الدولة وتحديث مختلف مؤسساتها، وذلك من خلال سلسلة من الإصلاحات الإدارية والقانونية التي تعكس الالتزام برؤية دولة قائمة على القوانين والكفاءة. فقد صدرت عدة مراسيم سلطانية لتحديث الجهاز الإداري، وتبسيط الإجراءات، وإعادة تنظيم السلطات الإدارية بما يواكب التطلعات التنموية ويحقق اللامركزية التنموية في المحافظات، فما رسّخ قواعد الحكم الرشيد ووجه عُمان نحو مرحلة جديدة من الاحتراف الإداري.
إلى جانب ذلك، أولى جلالته اهتمامًا كبيرًا بجانب الرفاه الاجتماعي، فتم إطلاق صندوق الحماية الاجتماعية ليشمل أكثر من ١.٤٥ مليون مستفيد، مما يعكس رغبة القيادة الأصيلة في ضمان شبكة أمان اجتماعي فعالة لكل أبناء الوطن. كما أنشئ المركز الوطني للتوحد لتقديم خدمات علاجية وتأهيلية متخصصة، مما يدل على حرصه على الفئات الخاصة من المجتمع.
في مجال الصحة، حققت السلطنة إنجازات طبية بارزة خلال هذه السنوات، إذ نجح الأطباء الوطنيون في إجراء عمليات معقدة مثل فصل التوائم الملتصقة، وزراعة قلب من متبرع متوفى دماغيًا، وإجراء جراحة دماغية وجراحة أخرى دقيقة للغاية. هذه الخطوات تُبرز إنجازًا طبيًا مهمًا يعكس الاستثمار في الكفاءات الوطنية، ويعزز الخدمات الصحية في الداخل، بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الخارج.
وعلى صعيد التعليم والتدريب، شهدت عُمان برامج طموحة ضمن إطار رؤية 2040، حيث بُنيت أو جُدِّدت مئات المدارس، وتم إدخال المنهاج الرقمي عبر منصة «نور» في العديد من المدارس، في حين أنشِئَ مسار مهني تقني في الصفوف الثانوية (الصف 11–12) في عدة ولايات، ويُطرح تخصص التجارة وتكنولوجيا المعلومات والسياحة ضمنه. كذلك، تم إنشاء جامعة التكنولوجيا والعلوم التطبيقية عبر دمج عدة كليات تقنية، ليتمكن أكثر من 48 ألف طالب من الدراسة في 11 حرمًا جامعيًا، وذلك ضمن جهود تحفيز الابتكار والتكنولوجيا بين الجيل الجديد.
إن التوجه نحو تنويع الاقتصاد كان في قلب مبادرات جلالته، بحيث لا تعتمد السلطنة على النفط فحسب، بل تبني اقتصادًا متوازنًا ومستدامًا. في هذا الصدد، شهدت عُمان إطلاق عدد من المشاريع الصناعية الكبرى، أبرزها مصنع مصفاة الدقم التي بدأت بالإنتاج، بطاقة أولية تبلغ 230 ألف برميل يوميًا، ثم ارتفعت إلى 255 ألف برميل في عام 2025. كما تم التوسع في صناعات التعدين من خلال مشاريع مثل مشروع معادن الشويمية لإنتاج المعادن الصناعية، ومناجم السيليكا، وتنقيب عن النحاس والذهب في بعض المناطق، ما يدل على توجه استراتيجي نحو الاستفادة من الثروات التعدينية الطبيعية.
من جهة أخرى، بُنيت بنية تحتية لوجستية وتنموية ضخمة: تم تنفيذ مشروع الطريق إلى الربع الخالي بطول 725 كم، وتوسعة طرق استراتيجية كطريق دبا–ليما–خصب. كما افتُتِحَ ميناء الحاويات في مدينة الدقم تحت إشراف شركة Asyad، لتعزيز الربط البحري والاستثماري. وهناك مشروع سككي مشترك مع دولة الإمارات، من خلال شركة Hafeet Railway، يربط بين أبوظبي وصُحار بخط يمتد 238 كم، ويُتوقع أن يقلّل زمن التنقل إلى حوالي 100 دقيقة.
في جانب الإسكان والتنمية العمرانية، تولى السلطان هيثم إطلاق مشروع مدينة السلطان هيثم، والتي تم تصميمها لتكون مدينة ذكية ومستدامة على مساحة تصل إلى 14.8 مليون متر مربع، وتضم نحو 100 ألف ساكن. كما أُطلقت مشاريع سكنية أخرى مثل مشروع «صروح» الذي يبني نحو 9,950 وحدة سكنية موزعة على 18 حيًا، ما يساعد في تلبية الطلب السكني المتزايد وتخفيف الضغط على المدن الكبرى.
أما في قطاع الطاقة والبيئة، فإن القيادة السلطانية وضعت التزامًا واضحًا نحو الاستدامة والتوجه الأخضر. تم اعتماد استراتيجية صافي‑صفر (Net‑Zero) تشمل أكثر من 200 مشروع ومبادرة حتى عام 2025. كما أُنشئت شركة Hydrogen Oman للإشراف على مشاريع الهيدروجين الأخضر، وهو ما يدل على رؤية مستقبلية لطاقة نظيفة. وعلى صعيد الطاقة المتجددة، شملت المشاريع محطات شمسية وطاقة الرياح: مثل محطة أمين الشمسية بقدرة 100 ميغاواط، ومحطات في عبري وبقية المحافظات، ومشاريع ريحية ضخمة في عدة ولايات.
كما لم تغب البعد الثقافي والحضاري عن رؤية جلالته: تم افتتاح المجمع الثقافي العُماني في مسقط، الذي يضم مسرحًا ودارًا للتراث الوطني، ومكتبة وطنية، وهيئة الأرشيف الوطني. كذلك، شهدت السنوات الأخيرة إنشاء متاحف وطنية عديدة مثل متحف التاريخ البحري في صور، ومتحف «عُمان عبر العصور» في مناه، ومراكز تراثية في ولايات مختلفة، ما يعزز الحضور الثقافي العُماني داخليًا وخارجيًا. غير ذلك، أُطلقت مبادرات ثقافية دولية مثل معرض «رسالة السلام من عُمان» الذي جاب عدة دول، لترويج الرسالة العُمانية القائمة على القيم الإنسانية والتسامح.
من جهة الإدارة والحكم، أطلق جلالته مبادرات لإصلاح المنظومة القضائية والإدارية؛ فجُدّدت القوانين الأساسية للدولة، وتطوير القوانين المؤسسية، مع تعزيز الرقمنة في الخدمات الحكومية. على سبيل المثال، أُسّست بوابة وطنية موحّدة للخدمات الحكومية، وتم رقمنة نسبة كبيرة من الخدمات لتسهيل وصول المواطنين والمقيمين إليها. أُطلقت أيضًا منصة “توطن” (Tawteen) لتسهيل التوظيف والمطابقة بين عرض العمل والطلب، وهو ما يعكس الاهتمام بتوظيف الكوادر الوطنية وتنمية الموارد البشرية.
على المستوى المالي والاقتصادي الكلي، شهد عهد السلطان هيثم تحسينات في الاستقرار المالي للدولة. تمكّنت الحكومة من خفض الدين العام، والتحكم في النفقات، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، ما أسهم في تقوية الموقف المالي للسلطنة وسدّد الموازنة على المدى المتوسط.
من جهة السياسة الخارجية والتعاون الاستراتيجي، عززت عمان علاقاتها الاقتصادية مع دول الجوار. على سبيل المثال، تم توقيع اتفاقيات استثمارية كبيرة مع دولة الإمارات، تشمل مشاريع طاقة متجددة، وصناعة المعادن الخضراء، وربط سكة حديد بين البلدين، مما يعكس رؤية مشتركة للتنمية والتكامل الإقليمي.
وفي الاحتفالات بالعيد الوطني الـ55، تعكس هذه المرحلة الخمسة سنوات من قيادة جلالة السلطان هيثم التزامًا أصيلًا برسالة الوحدة، النهضة، والرؤية المستقبلية. إن إنجازات جلالته ليست مجرد مشاريع للبناء، بل هي ترجمة فعلية لرؤية وطنية شاملة تهتم بالإنسان، بالبنية التحتية، بالطاقة، والثقافة، وبمستقبل عُمان كدولة قوية وحضارية.
خلال هذه السنوات الخمس، أثبتت مسيرة السلطان هيثم أن القيادة العُمانية لا تتوقف عند تحقيق الأهداف قصيرة الأمد، بل تبني إرثًا طويل الأمد من التنمية المستدامة. المشروع الوطني تحت قيادته، المرتكز على رؤية 2040، هو مشروع أجيال، يسعى إلى تمكين المواطن وتحسين حياته، وتحقيق تنمية توازن بين الحاضر والمستقبل. ومع المضٍّ بثقة وجدية في هذا الطريق، يواصل الشعب العُماني العمل مع قيادته في بناء وطن متقدم، آمن، مزدهر، مستعد لمواجهة تحديات العصر، وتحويل الفرص إلى إنجازات حقيقية ترفع من شأن السلطنة في المحافل الإقليمية والدولية.




