أحاديث المخيم.. عيد يوقظ الذاكرة

محمد حسين | كاتب فلسطيني

في الليلة الأخيرة من شهر رمضان ،المخيم يبدو كخلية نحل أيقظها طفل على غفلة، النساء منشغلات بتحضير كعك العيد ، الرجال يحمسون القهوة المرّة
في المحماسة استعدادا لدقها في المهباش ( الجرن ) ولا سيما أن البعض يتفنن بإصدار نغمة خاصه تكون على شكل تنبيه ودعوة للحضور و شرب القهوة ….
الشباب منهمكون بتحضير الورود لزيارة المقابر ، الصغار يداعبون ثيابهم ينتظرون بفارغ الصبر حلول الصباح لكي يذهبوا الى أماكن اللعب ، يستيقظ المخيم بأزقته على رائحة الكعك التي تحاصر أنوف الصغار وتمتع أنوف الكبار ، يبدو كنوتة موسيقية كاملة تعزفها أنامل متعددة، الكل يستمع لها على طريقته الخاصة ، عدد من النسوة يتجمعن في بيت إحداهن لتحضير الكعك يتعاونّ فيما بينهن ، يتذكرن أيام البلاد ، تارة يذرفن الدمع ، وتارة أخرى يعلو صوت مواويلهن القديمة.
الأولاد في حركة دائمة لا تهدأ داخل المنزل بانتظار أول وجبة من الكعك ، النسوة يصرخن على الأولاد ليبتعدوا حتى يستطعن إنجاز العمل ،
في بيت أم محمد القزق تجمعت النسوة ( الحجة أم زياد ، أم ناصر الزيتاوي ، أم احمد سهيل ، أم أحمد خليفة ) من أجل تحضير الكعك.

الحجة أم زياد : ( يلا يا نسوان بدنا نخلص على البكير حتى نقعد ونرتاح ونحكي على رواق )
أم ناصر (والله العيد ما الو بهجة واحنا خارج البلاد مشردين ، كل ما بقعد أعمل كعك بذكر أولادي الشهدا )
أم احمد سهيل : ( راحوا أولادك فدا الوطن يا أم ناصر.. الله يرحمهم شو بدنا نعمل هذا قدرنا نقدم خيرة شبابنا مشان نرجع على البلاد .)
أم أحمد خليفه : (والله يا أم زياد بنعمل كعك مشان نفرح الأولاد شوي ونحاول ننسى شوي من يلي أصابنا من ورا التشرد .)
أم زياد : (إي والله أنا بتذكر بس طلعنا من البلاد كان عمري شي ثماني سنوات ، طلعنا على الضفة على ضواحي جنين ، جابولنا سيارات شي طلع بالسيارات وشي طلع مشي ، مشوار متعب تحت الشمس ، لو شفتو شو صار مع الأولاد جوع ، وعطش ، وفي أولاد ضاعت ، كانت الزلم تبكي من القهر ، طلعت الناس بثيابها يلي لابسيتها ، تركنا ورانا كل شي ، الله يقصف عمر الخونة تبعون جيش الإنقاذ ، احنا في ناس من أهل بلدنا طلعوا مع الجيش العراقي على العراق. واحنا دخلنا إلى الأردن وجينا على سوريا وكل جماعة قعدو بقرية حتى تجمعنا واجينا على المخيم ،الحكي مو مثل الشوف هذا المنظر لا يفارقني بس أتذكر البلاد و شو صار فينا، بدنا نتحمل ونصبر بلكي على الله هذا الجيل يرجع البلاد ).
أم احمد سهيل : ( ما شاء الله. عليكي يا حجة أم زياد بعدك متذكرة كل شي والله احنا طلعنا على الأردن وبعدين على سوريا كأنو مكتوب علينا نضل نركض من بلد لبلد هذا قدرنا) .
أما الرجال فقد كان هذا اليوم يذكرهم بأعياد البلاد يسترجعون ذكرياتهم بمرارة وما حل بهم .
حسين الفاعور ابو حسن ( وبعدين بهاي الحالة كل عيد منقول إن شاء لله العيد القادم بالبلاد و القهوة المرّة منشربها هناك وعم يمضي الزمن بسرعة خايف أموت برا البلاد الله يفرجها علينا تعذبنا كثير كل أيامنا شقا )
الحج ذيب عقاب أبو محمود :(والله الشغلة طولت كثير ومبين ما في حل غير احنا نحمل سلاح ونحارب و نرجع البلاد كل عيد منحكي إن شاء لله نعيد بالبلاد و احنا مكانك راوح )
الحج عرسان؛( بدنا نرجع نغني بالبلاد ونزوج الشباب هناك ، كل عيد بنقول العيد الجاي ان شاء لله نزوج هل الشباب بالبلاد ونغني مع اليرغول )
الحج ابو نايف الزنغري ( مشكلتنا معقدة كثير ولازم نعلم أولادنا منيح هم الأمل إلنا نحنا صرنا كبار )
الحج سعيد العايد أبو محمد ( هاي قدرنا .. والمكتوب ما منو مهروب… انكتب علينا الجهاد ليوم القيامة لازم نعد حالنا منيح حتى ننتصر ).
أبو حاتم ملحم: ( المؤمن حتى النخاع بحتمية الانتصار إن شاء لله العيد القادم رح نكون بالبلاد ،كل الأمة العربية معنا ،نحن على موعد مع النصر )
أحلام كبيرة تتطاير مثل الصواريخ التي سقطت على تل الربيع ذات مساء، تخبرها سلام ذاك العربي القابض على عنق التاريخ .
في صباح يوم العيد يتجمع الجميع كبارا وصغارا ونساءً استعدادا للذهاب إلى المقبره ،متذكرين الأموات الذين رحلوا .
في الطرف الشرقي من المقبرة وقفت ( خبصه الناصر أم علي ) شقيقة الشهيدين خالد ، ومحمد أمام أحد قبور اخوتها ، توزع كعك العيد على الفتية الذين يجوبون المقبره، تقدمت منها جارتها (أم مصطفى زيدان صباح الخير يا أم علي الله يرحم الشهداء وان شاء راح نرجع على البلاد مشي هيها قريبه من هون غصبن عن الكل راح نرجع)
أم علي : ( ان شاء الله ودم الشباب لازم ما يروح هدر )
في وسط المقبره وقفت (أم ناصر الزيتاوي والدة الشهيدين ناصر وجمال أمام قبريهما تصب القهوة لزائريها وتوزع خبز العيد على الصغار والكبار )
…كم كنتم تخشون الموت خارج البلاد لكن سينقل رفاتكم ذات نهار عليها….
محمد حسين كاتب فلسطيني من

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى