الفنان دريد لحام والإعلامية وفاء كمال.. وجها لوجه (1)

صحافة بكعب مكسور
كانت الفرحة تزغرد في عينيَّ عندما بُلِّغْتُ أن رئيس تحرير مجلة ” بيروت المساء وافق أن أعمل فيها كمحررة في القسم الثقافي،بعد تحريري مقالين متتالين ونشرهما بها . وتضاعفت الفرحة حيث وافق بأن تكون مقالاتي ليست مؤدلجة بسياسة المجلة . وأن لاأكون ملزمة بالدوام ، بل عليَّ تأمين المقالات بالمراسلة .والقيام بتغطية النشاطات الفنية والأدبية في سورية . فكان الشاعر ” محمد الماغوط ” والفنان “دريد اللحام “.من أوائل الأشخاص الذين قررت لقاءهم .لأن كل منهما قد حظي ببصمة جميلة وقوية في المشهد الفني والثقافي في سورية . ولقاؤهما سيرسخ قدمي ويثبت وجودي في المجلة .فالماغوط كان استثناءً بين شعراء قصيدة النثر. حيث تحتشد قصائده بالصور والمشاكسات والدهشة والمفاجآت . وكان ينتزع قصائده الجميلة من أكثر المفردات اليومية بشاعة ورعباً وتنافراً ،ومع ذلك تمكن من أن يدخل نسيج قلب كل مواطن مهما بلغت درجة ثقافته ،وتجلى ذلك أيضا ً في مسرحياته وسيناريوهاته التي كان يقوم ببطولتها الفنان ” دريد اللحام ” .أما دريد اللحام فكان يُعُرِفُ بشخصية ” كارلوس ” عازف الغيتار المكسيكي ، واشتهر بشخصية “غوار الطوشة الكوميدية” وكانت مسيرته ومازالت غنية بالأعمال الكوميدية المميزة التي حققت نجاحات كبيرة وترك فنه بصمة في المجتمع السوري والعربي .و لأن دريد ابن قرية مجاورة لقريتي وابن حي الأمين الذي عشت فيه طفولتي ، ولأنني رأيته في حالة انسجام مع الناس كبيرة حين توفي أيمن صديق أخي وابن ( أم عباس ) شقيقة دريد التي كانت تقطن في الشقة التي تحتنا بالضبط . وحين دخل دريد الحي بسيارته لتعزية شقيقته .اجتمع حوله كل سكان الحي وبدأوا يصفقون وكأنه في مهرجان فني .ولم يتركوا له مسافة صغيرة ليتمكن من ركن سيارته . فخرج من السيارة يحيّيهم ويترجاهم ان يفسحوا له مجالاً للخروج . شعرتُ بقربه من الناس وقررت لقاءه .بالبداية ،اتصلت به
كان صوتي متهدجاً مرتبكا .كنتُ أعتقد ان الذي سيرد سكرتيرته أو مدير أعماله . لكن تهادى إليَّ صوته ..عرفته إنه هو .يولد انطباعاً ملحوظاً بالثقة بالنفس ونبرة تعطي شعوراً بلطف من تحدثه .ففي نبرة صوته إيماءة خفية تكشف النقاب عن مكنون المتحدث .فبينما كنت أطلب لقاءه بصوت خافت وخفيض بعكس صوتي في حالاتي العادية.
كان يحدثني كمذيعي الأخبار المخضرمين ، وكانت نبرة صوته أبلغ تأثيراً من كلماته .استهوتني تلك النبرة لدرجة أنني لم أتذكر بعد أن أقفلت السمَّاعة هل كان موعدنا في الواحدة أم الواحدةوالنصف ؟المهم أنه كان يوم ثلاثاء وكان الجو ربيعياً . فبدأت قبل ثلاثة أيام من لقائنا، أبحث في خزانة ملابسي عن ثوب لائق فلم أجد . جميعها كانت بالية .حاولت قص ياقة احد القمصان لإبراز العنق بعض الشيء ورحت أغني وأختي الصغيرة ريما تراقبني وتضحك ( السبت فات والحد فات وبعد بكرا يوم التلات ) قالت ريما :
ـ أنتِ على موعد صحفي أم غرامي . قلت لها : ( اسكتي انتِ شوبيفهمك بالصحافة ؟) .قالت ضاحكة اللي مابيفهم بالصحافة بيفكرها تعرصة . ضحكت, فانزاح المقص وتشوه القميص الذي كنتُ أعوَّل عليه . وبدأت أرمي فساتيني الواحد تلو الآخر ولم أجد مايليق بذلك اللقاء بدأت بتجريب بناطيل الجينز ففوجئتُ ان معظمها قد ضاق علي بعد سفري إلى لبنان وحين حلَّ موعد لقاءنا ارتديتُ بنطالاً صينياً كان ضيقاً للغاية. بالكاد أودعت ساقي السمينتين به وانتعلت حذاء ذا كعب عال على غير عادتي لم أكن أجيد السير به .ففي كل خطوة كانت تهتز كل عضلة من جسمي وتتراقص مفاصلي وكأنني خارجة من ملهى . أو كأنني سألتقي برجل من عالم الجن وليس من عالم البشر .كان سرج البنطال قصيراً وطيلة الطريق كنت أسحبه للأعلى لأنه كان يحصرني عند الورك .وعندما اقتربت من كافيتيريا ” موروكو “قرب القصر الضيافي وانحرفت نحو اليمين لأدخل الحي الذي يوجد فيه مكتب الفنان دريد رحت أنقِّب بين الاسماء المكتوبة على الواجهات ،لكي أتأكد من العنوان .رفعت قدمي لأثبتها على حافة الرصيف فكان نصيبها الفراغ فوقعت وانخلع كعب الحذاء . انحنيت. علني اتمكن من إعادته .فانقطع سحاب البنطال . ( قلت : (يلعن أبو الصين على أبو الفن ) لملمت بعضي واتجهت إلى المحل المقابل حيث وجدت امرأة تتحدث مع صاحب المحل متأملة ان تساعدني .طلبتُ دبوساً لبنطالي ومسماراً وشاكوشاً لحذائي .وأنا أمسك بنطالي من الخلف بيدي اليمنى وأغطي مكان السَّحاب بيدي اليسرى . راحت المرأة تتأملني وهي تشمر أنفها نحو الأعلى وتفتح فمها .أما صاحب المحل فنظر إليَّ بامتعاض وكأنني امرأة فاسقة . وقال : ( حِلّي عَّنا يو… مو ناقصنا غير إنتِ بعد ) فغادرتُ المحل وأنا أسمع صياح المرأة على صاحب المحل . وهو يقول : (هي اللي جايه تتبلاني أنا شو دخلني ؟)
فلملمتُ بعضي من جديد ..رفعتُ القميص وغطيتُ به مكان السَّحاب .وانتعلتُ الحذاء ذا الكعب المكسور. وسرتُ على رؤوس أصابع قدميَّ علني أخدع المارة .وقررت ُدخول المكتب وتبرير حالتي امام دريد اللحام. قرعت جرس باب الباب وأنا أمسك سرج البنطال من الخلف .لم يفتح الباب .حمدت الله مئة مرة .ولم أكرر العملية .وأخرجت من محفظتي ورقة وقلم كتبت بضع عبارات لأثبت حضوري .وأدخلتُ الورقة من زاوية الباب .وأرفقتها برقم هاتفي .وعدت وجسدي يتثنى عالوحدة ونصف .
يتبع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى