من أغراض الإخبار التي لم يُقصَد بها الإعلام

طاهر العلواني | كاتب إسلامي

من ذلك قولُ امرأةِ عمران “إنِّي وضعتُها أنثى”؛ ألا ترى أنه يمتنع أن تكون قد أرادتْ إعلامَ الله بهذا، أو إعلامَه – سبحانه – بأنها تعلمُ؟ إنما قصدتِ التَّحسُّرَ؛ من حيث إنها نذرتْ ما في بطنِها تعتقُه من خدمةِ أبوَيه لخدمة بيت المقدس، وما كانوا يعتقون إلا الذكور، فلما وضعتها أنثى تحسَّرتْ، وأبدتْ عذرَها إلى الله في أنَّ عدمَ الإيفاءِ بالنذرِ لم يكن إلا لأمر خارجٍ عن حيلتِها.

وقولُ زكريا عليه السلام “إنِّي وَهَنَ العظمُ مني واشتعلت الرأس شيبا”، يريد إظهارَ الضعف والتخشُّعِ لربِّه استعطافًا، يدلك على ذلك إعقابُه إياه بقوله “ولم أكن بدعائك ربّ شقيّا”.

وقولُ نوح عليه السلام “إنَّ ابني مِن أهلي”، فإنه أراد به التمهيد والاعتذار عما سيسألُ عنه ربَّه، فقد بعثتْهُ الشَّفقةُ بابنِه أن يسأل: ما الحكمةُ مِن إغراقِه، وهو من أهلي، وقد وعدتني، ووعدُكَ الحقُّ أنِّي أنا وأهلي ناجون؟ فكأنه لفرطِ إشفاق الوالدِ بولدِه ظنَّ أن قولَه عز وجل “إلا من سبق عليه القول منهم” تناولَ امرأتَه وحدها.

وقولُه عزّ من قائل “لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضَرَر والمجاهدون في سبيل الله”، قال الزمخشري: معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم، والبون البعيد، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته.

وقولُ الحارثِ بنِ وعلةَ:

١٣_قومي همُ قتلوا – أُميمَ – أخي**فإذا رميتُ أصابني سهمي.

يريدُ التفجُّعَ والحزنَ؛ لأن أميمة هذه كانت تحرّضه على أخذِ الثَّأرِ؛ يقول: الذين قتلوا أخي هم قومي، فإذا أخذتُ بالثأر أضعفتُ قوّتي؛ فإني أقتل رجلا من أهلي، وانظر إلى تعبيرِه بالقوم دون الأهل؛ لأنهم في أصل الوضع للرجال دون النساء، قال ثعلب: هم الجماعةُ الشريفةُ لا امرأةَ فيهم، ثم إضافته إياهم إلى ضمير المتكلم، ثم تعبيرِه بلفظ الأخ دون التصريح باسم المقتول، وتأمل موضع الفاء في “فإذا” التي فيها معنى التسبيب، فكأنه يقول: المقتول أخي، والقاتلُ قومي، فإن ثأرت لأخي أوهنتُ قوايَ بفقد أحد عصبتي، وإن عفوت فالعفو أمر جلل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى