د. أسامة عبد العظيم.. نجم هوى

رضا راشد | الأزهر الشريف


إنه فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أسامة عبد العظيم حمزة أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر الذي واتته المنية أمس محفوفا بالدعوات مشيعا بالعبرات بعد حياة حافلة بكلمتين عليهما مدار الفلاح والصلاح هما( العلم والعمل)؛ عِلْمٌ بالكتاب والسنة وعَمَلٌ بهما عملا تعجز عنه العصبة أولو القوة.

   (^) مضى الرجل إلى ربه بعد أن أقام علينا جميعا الحجة أن لا عذر لنا في تقصيرنا ولا مسوغ لإهمالنا في عبادتنا، وأن ما يحيط بنا من الفتن الصماء البكماء العمياء، لا يستطيع (قوة ولا فعلا) أن يحول بين العبد وعبادته لربه، إن هو أخلص وجاهد في تجريد قلبه من الانشغال بسوى الله تعالى. ولكن أنى ذاك؟!
  (^) مضى الرجل إلى ربه بعد أن نظر الدنيا بعيني ناقد فأيقن انها بين الأنام تقامر، فجعلها دبر اذنيه وتحت قدميه وجعل حياته قياما بين يدي ربه تلاوة وصلاة في مشهد كأنه اختزن من صلوات السلف رضوان الله عليهم وتهجدهم وتلاوتهم وعبادتهم.. فكأنه من ذلك يقول لنا بلسان الحال الصادق ولسان المقال البليغ: أن يا بني قومي، لا يغرنكم من الدنيا حلو زينتها ونضرة بهجهتها فلا خير في زينة تحور رمادا بعد عمر يطول أو يقصر وكل طويلٍ سينتهي- قصيرٌ.
(^) مضى الرجل إلى ربه بعد أكثر من سبعين سنة انتصبت فيها قدماه لله قياما وتضرعا وابتهالا.
أقرأتم في سيرة السلف رضوان الله عليهم من كان يقوم الليل كله؟! أو طالعتم في حياتهم من كان يقرأ شطر القرآن في ليلة؟! فذلكم مثل شيخنا الصالح بإذن الله، وما شهدنا إلا بما رأينا وعلمنا عين اليقين لامجرد علم اليقين.

    كان ذلك في شتاء سنة ١٩٩٧م عندما دعاني أخي الحبيب ياسر العتباني أحد تلاميذ الشيخ رحمه الله لزيارة الشيخ والصلاة معه في مسجده بالإمام الشافعي بالقاهرة، لبيت الدعوة، وذهبنا إلى المسجد وكان ما كان.. مما لا يخطر لأحد على بال.

    أذن لصلاة العشاء في الساعة السادسة والنصف، وران الصمت على المسجد ذي الطوابق الستة فلا تسمع إلا همسا: بعضهم يتلو القرآن هامسا، وبعضهم قد استخفى بعبادته في خبائه الذي أقامه في المسجد معتكفا له، وآخرون راحوا يذاكرون دروسهم ويراجعون محاضراتهم في الجامعة.. وبعض قليل تدثروا بنوظ قليلا استعدادا لقيام ليلة شتاء، طويلة وما أطول ليل الشتاء!! أما أنا فكنت من النائمين استراحة من يوم طويل بدأ قبل الفجر..

    دقت الساعة العاشرة مساء، فأقيمت الصلاة إيذانا ببدء صلاة العشاء، وسرت همهمات بين تلاميذ الشيخ بأن الليلة ليلة الختام، وبدأ الشيخ الركعة الأولى من سورة الذاريات، وأخذ ينتقل من سورة لسورة انتقال الفراشة بين الأزهار حتى أتم القرآن في الركعة الأولى!! أربعة أجزاء تلاها الشيخ في ركعة واحدة واقفا لا يمل، منتصبا بأقدام ثابتة لا ترتعش ونحن الشباب نتململ من القيام خلفه.

ركع الشيخ الركعة الأولى متما ركوعها وسجودها بصورة لا تتمثل إلا في الخيال؛ إذ لم يكن في واقع الناس ما يحكيها، ثم قام للركعة الثانية، وفيها قرأ الفاتحة، ثم ابتدأ ختمة جديدة ليكون الحالَّ المرتحلَ (وهو قارئ القرآن الذي لا تتوقف به القراءة عند ختم القرآن، بل كلما انتهى من ختمة استأنف أخرى ).

     ابتدأ الشيخ سورة البقرة، فكنت منه كأبي حذيفة بن اليمان مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين قام معه ليلة بركعة قرأ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم البقرة والنساء وآل عمران- حيث قلت في نفسي: يركع عند الجزء الأول، فلما جاوزه قلت: يركع عند نهاية السورة، فلما ختم البقرة دلف منها لآل عمران فما ركع إلا على رأس الجزء الرابع (كل الطعام)… سبعة أجزاء كاملة في ركعتين في صلاة العشاء في غير رمضان.. فما بالك برمضان حيث كان يقوم من المغرب إلى ما قبيل الفجر كل ليلة.

    مرة واحدة في حياتي هي التي صليت فيها خلف الشيخ فعددتها في تاريخي..فكيف بآلاف الصلوات التى أقامها الشيخ على هذا المنوال طوال عشرات السنين.

   إنها لحجة الله علينا أن من قام بين يدي الله بارك الله له وقته فأثمر فيها ما لا يثمره الفارغون.

    إن وجود أمثال هذا الشيخ الجليل-كان – بعبادته وزهده لنعمة جليلة في دفع النقم المستحقة بمظالم العباد، فلولا شيوخ ركع وبهائم رتع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا.

وبمثل ماكان وجوده نعمة كان فقده بليلة أي بلية، فاللهم تقبله في الصالحين وألحقنا به في جنات النعيم واجعلنا منه خير خلف لخير سلف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى