الشفقة بالذات

تمارا ثيبرت- ترجمة: د. محمد السعيد عبد الجواد أبو حلاوة أستاذ الصحة النفسية

أولاً- مقدمة: 

تمثل الشفقة بالذات “قدرة الشخص تحويل التفهم والتقبل والحب إلى داخله” بما يمثل إعادة صياغة تصوير “الشفقة” من كونها حالة متعدية فقط إلى الآخرين، إلى حالة يمكن أن يتعدى تأثيرها إلى الذات، بمعنى آخر تشير الشفقة بالذات والرفق بها حالة من تقبل الذات والتسامح معها والتوقف عن جلدها وتأنيبها بل التوجه إلى التعاطف مع الذات والتفهم الوجداني للذات والغفران لها. 

وبناء على ما تقدم لا يقصد بالشفقة بالذات الترخص والتساهل مع الذات والسماح لها هكذا بأن تبحر في الحياة دون ضابط أو رادع ومحاسبة أو تأنيب ضمير، ولا التفاعل في الحياة بعشق للذات والأنانية المفرطة، بل يقصد بالشفقة بالذات ذلك التوجه الإيجابي نحو تقبل الذات والتسامح معها والرفق بها وهذا أمر يؤدي إلى التخلص من القلق والشعور بعدم الأمن، والتعاسة والكرب النفسي. 

ثانيًا- ما المقصود بالشفقة بالذات؟ WHAT IS SELF-COMPASSION?: 

الشفقة أو الرفق Compassion  قدرة الشخص على إظهار التعاطف empathy  والحب love والاهتمام concern بالآخرين الذين يمرون بظروف صعبة، وبنفس المنطق فإن الشفقة بالذات والرفق بها self-compassion ببساطة هو قدرة الشخص على تحويل ذلك التعاطف والحب والاهتمام إلى الذات خاصة عند مواجهة الشخص إخفاقات أو عثرات ومصاعب أو شدائد.  

ومن المثير للدهشة أن عديد من الناس الذين يظهرون مستوى مرتفع من الشفقة بالآخرين والرفق بها، يعانون من متاعب أو صعوبات في الشفقة بالذات والرفق بها، ربما خوفًا من الاندماج في التسامح المبالغ فيه مع الذات الأمر الذي قد يجعلها تفلت من عقالها. 

ويجدر التنويه إلى أن عدم قدرة الإنسان على تقبل جوانب ضعفه ومظاهر قصوره يفضي إلى صعوبات جوهرية في تحقيق الهناء الانفعالي emotional well-being، إذ لا يمكن في ظل توجه الشخص لتأنيب ذاته وجلدها وعدم التسامح معها لأي إخفاق أو قصور تمتعه بالصحة النفسية الإيجابية. 

وأظهرت نتائج الدراسات التي أجريت على عينات من النساء في الولايات المتحدة يظهرن توجهًا منخفض نحو الشفقة بالذات والرفق بها مقارنة بالرجال، وقد يعزى ذلك في جزء منه إلى أن النساء غالبًا ما يتم تنشئتهم اجتماعيًا على رعاية الآخرين والاهتمام بهم والتعاطف معهم بل وربما أفعال التضحية بالذات من أجل إسعاد الآخرين. 

وتعد كريستين نيف Kristin Neff من رواد الدراسات البحثية لمفهوم الشفقة بالذات والرفق بها، وخلصت من دراساتها إلى الشفقة بالذات والرفق بها بنية أو تركيب نفسي متعدد الأبعاد يتضمن ثلاثة أبعاد تتمثل فيما يلي: ا

– الرفق بالذات والحنو عليها Self-kindness: كعامل أساسي للتخلص من النقد القاس للذات. -إدراك كوننا بشرًا Recognizing one’s own humanity: الأمر الذي يؤكد معها أن كل الناس بهم مظاهر قصور وجوانب ضعف وأن كل الناس يمرون بخبرات الألم والتعاسة وربما الكرب النفسي. ل

-اليقظة العقلية Mindfulness: بما تستلزمه من الوعي بخبرات الحاضر ووقائعه وأحداثه حتى ولو كانت مؤلمة بدلاً من تجاهلها أو إنكارها أو التهويل من تأثيرها. 

 

وعادة ما يتم الخلط بين الشفقة بالذات Self-compassion والرفق بها مع مفهوم “تقدير الذات self-esteem” على الرغم من الاختلاف فيما بينهما، فيما يركز تقدير الذات على ما يعرف بالتقييم المفضل أو الإيجابي للذات خاصة نتيجة الإنجازات التي يحققها الشخص، فإن الشفقة بالذات والرفق بها صيغة من صيغ تقبل الذات self-acceptance حتى في مواجهة الإخفاق والعثرات. 

وبموجب هذا التوصيف ينظر إلى الشفقة بالذات والرفق بها كانفعال يحول توجه الشخص من اعتبار نفسه حالة وجود مثلى أو متميزة إلى تقبل ذاته بالصورة التي هو عليها مع الاجتهاد في تنمية الذات والارتقاء بها.  

فالشخص الذي يحصل على درجة مرتفعة على مقياس الشفقة بالذات والرفق بها ربما يتقبل إخفاقاته بدون توجهات دفاعية أو إنكار أو تجاهل أو تبرير مع إدراكه أن كل الناس تخفق وتقع في أخطاء وبها جوانب ضعف ومظاهر قصور واليقين بهذا الاعتقاد أمرًا يجعله يدرك أنه يستحق الحب والتقبل، على الجانب الآخر فإن تقدير الذات المرتفع ربما يؤدي إلى ميل الشخص إلى تجاهل أو إخفاء أي مظاهر قصور أو جوانب ضعف في تكوينه النفسي.  

ثالثًا- الشفقة بالذات كبديل لتقدير الذات: 

  لا تعتمد الشفقة بالذات لا على المقارنات الاجتماعية بالآخرين، ولا على الشعور بالنجاح الشخصي في الحياة، بل تتوقف في جزء أساسي منها على إدراك وتقبل الشخص لعثراته ومظاهره ضعفه وجوانب قصوره لا استسلامًا لها ولا ارتضاءً بها ولا غرقًا في تأنيب الذات ولومها وجلدها بسببها، بل اعتبارها نواة ومدارات الاندفاع باتجاه تصويبها والارتقاء الشخصي في الحياة في إطارها، وهذا ما لا تتضمنه دلالات مصطلح “تقدير الذات self-esteem”. 

وعلى الرغم من التباين النسبي في دلالات مفهوم الشفقة بالذات عن دلالات مفهوم تقدير الذات، يوجد علاقة ارتباطية فيما بينهما فمن يقل لديهم مستوى الشفقة بالذات يعانون بالتبعية من انخفاض جوهري في تقدير الذات، وبالرغم أيضًا من أهمية هاتين السمتين للصحة النفسية، إلا أن عديد من الباحثين يرون أن المبالغة في تقدير الذات ربما يكون لها تأثيرات سلبية مقارنة بانخفاض تقدير الذات، ومع ذلك وفي كل الأحوال فإن المستوى المعتدل والإيجابي من تقدير الذات محددًا جوهريًا للهناء النفسي في الحياة. 

ومن هنا فإن التركيز في فعاليات التعليم والتعلم على تعزيز تقدير الشخص لذات خاصة لدى صغار السن يفضي إلى زيادة في المشاعر الإيجابية لديهم وفي اعتقادهم أن لهم قيمة وقدرًا الأمر الذي يرتد أثره الإيجابي بطبيعة الحال على تأسيس وتنمية كفاءاتهم الشخصية. 

وعليه فإن ارتفاع معامل تقدير الذات بصورة إيجابية ربما ييسر الارتقاء النفسي نتيجة اعتباره مؤشرًا من مؤشرات اتخاذ الشخص موقفًا إيجابيًا من ذاته، وقد يعزز لديه الاعتقاد بقدرته على تجاوز إخفاقاته وجوانب ضعفه ومظاهر قصوره. 

وما يجدر الإشارة إليه أن الارتفاع غير المسوغ في تقدير الذات ربما تعمي الشخص عن رؤية ما به من مظاهر ضعف وجوانب قصور وقد يوقعه هذا الأمر في زيادة احتمالات مواجهته لخبرات صعبة في علاقاته مع الآخرين إذا وصل ذلك التقدير إلى حدود النرجسية ومن هنا ربما يلج به مثل هذا الأمر إلى الاندماج في أفعال مفعمة بالغضب والعنف تجاه الآخرين خاصة إذا كانوا مصدر تهديد لصورته لذاته كما يدركها أو يظنها. 

الأمر الآخر أن المبالغة في التفخيم من الذات وامتلاك معامل مرتفع جدًا وغير سوي من تقدير الذات ربما يدفع الشخص دائمًا للوقوع فيما يعرف التماوج في دوامات إظهار عيوب الآخرين وتضخميها وتصيدها وربما افتعالها، ويقف وراء مثل هذا الميل ما يمكن تسميته تجاوز بمفهوم الذات المتورم أو الملتهب المفعم بالتوجه نحو تعظيم الذات ومعايرها بميزان أخطاء الآخرين ومظاهر ضعفهم وقصورهم. 

إلا أن للأمر وجه آخر عند تناول مفهوم “الشفقة بالذات self-compassion”، كأحد المفاهيم التي تجعل عينا الشخص موجهة إلى ذاته دون مقاربتها أو معايرتها بميزان الآخرين ورؤاهم، إنما التحديق في الذات وصفًا وتحليلاً وفهمًا ووعيًا لا لالتقاط الهنات والعثرات والإخفاقات ومظاهر القصور وجوانب الضعف بهدف إهانة الذات وتحقيرها بل لتقبلها أولاً والاعتراف بها ثانيًا، والتوجه لتصويبها ثالثًا برقة ولطف وإنسانية وود. 

وبالتالي بالشفقة بالذات محددًا جوهريًا من محددات إعادة هندسة الذات والإعراب الإيجابي عن الجدارة والاستحقاق والأهلية بالاحترام والتقدير؛ لذلك جاء التأكيد على أن الشفقة بالذات لا تعتمد لا على المقارنات الاجتماعية بالآخرين ولا على غرام الشخص وهيامه بنجاحاته وتوقفه عندها فقط تمجيدًا لذاته بناء عليها، إنما هي إقرار بالقصور والضعف والإخفاقات ومن ثم الاندفاع باقتدار لتجاوزها وتغيير وجهته ومساره في الحياة، وهذا أمر لا علاقة لمتغير تقدير الذات، فتقدير الذات مجرد المكون الوجداني لمفهوم الشخص لذاته وربما يعكس احترام الذات وبصورة ما الرضا عنها. 

وإذا كان الارتفاع غير المسوغ في تقدير الذات، أي تقدير الذات المرتفع جدًا وغير القائم على شواهد موضوعية واقعية قد يفضي إلى الشعور بالعزلة الاجتماعية، فإن الشفقة بالذات وفقًا ليقين الشخص واعتقاده بأننا بشر وأن الخطأ والقصور يسري على كل عباد الله تفضي إلى شعور الشخص بمزيد من الانتماء إلى الإنسانية ومن هنا يعد الحسن الإنساني العام بعدًا جوهريًا من أبعاد الشفقة بالذات. 

من جانب آخر تشير عديد من التحليلات النظرية أن “انخفاض معامل الشفقة بالذات” يرتبط بمتغير “الكمالية perfectionism “، فالأشخاص الذي يعتقدون بحتمية أن يكون تفكيرهم وانفعالاهم وسلوكهم متقنًا وفائقًا كل الوقت وفي كل المواقف يميلون إلى عدم التسامح مع الذات خاصة حال الإخفاق أو حال وجود أي اختلال أو قصور ولو طفيف فيما تسفر عنه جهودهم في الحياة، فضلاً عن أنهم يعلقون استحقاقهم للحب والتقدير والتقبل والاحترام فقط على تحقيقهم ذلك النجاح المتوهم القائم على معايير مثالية شديدة الارتفاع وربما شديدة التعجيز. 

رابعًا- تأثيرات الشفقة بالذات THE EFFECTS OF SELF-COMPASSION: 

يفضي انخفاض معامل الشفقة بالذات في كثير من الأحيان إلى معاناة من يوجد لديه من نطاق واسع من الاضطرابات النفسية والسلوكية، وقد يجد عديد من الناس صعوبة في الشفقة بذاتهم بعد تعرضهم لصدمة أو محنة أو شدة ما أو خبرة حياتية عصيبة، خاصة إذا كانوا يتصورون أن الشفقة بالذات تساوي “الإشفاق على الذات والرثاء لها والنحيب عليها self-pity”. 

على سبيل المثال من يتعرضون لخبرة “الطلاق” خاصة ما يمكن تسميته بالطلاق المزعج والمصاعب بظروف حياتية عصيبة أو صعبة غالبًا ما تنتابهم مشاعر الخزي والخجل والذنب وقد يشعرون أنهم أخفقوا في الحفاظ على زواجهم، وأنهم بالتبعية لا يستحقون أي فرصة ثانية للتعافي أو لاستعادة نظم مسار حياة زواجية أخرى.  

ومن هنا فإن إسقاط أحكام حدية سلبية قاسية على الذات ربما توفر ظروفًا حياتية شارطة لتكوين القلق وفقدان الشعور بالأمن النفسي، وربما الاكتئاب. ومن هنا فإن “الشفقة بالذات” الترياق الحقيقي للتخلص من مثل هذه الظروف الحياتية الشارطة؛ لما للشفقة بالذات من قدرة على تمكين الناس من تقبل إخفاقاتهم وتجاوز الماضي، والمحاولة مرة ثانية. 

وعلى ذلك ازداد اهتمام المعالجون النفسيين في الوقت الحالي بتطبيقات الشفقة بالذات في العلاج النفسي، وأظهرت نتائج عديد من الدراسات البحثية أن ارتفاع مستويات “الشفقة بالذات” ربما يكون له تأثيرًا إيجابيًا على التعافي من كرب ما بعد الصدمة posttraumatic stress، ذلك الكرب الذي يتضمن أفكارً وذكريات مؤلمة غالبًا ما تترافق مع وتنتج عن التعرض لخبرة حياتية صادمة، فضلاً عن أن للشفقة بالذات قدرة على تمكين من يعانون منم كرب ما بعد الصدمة من مواجهة متاعبهم والتوافق الإيجابي معها؛ وبالتالي يمكن النظر إلى الشفقة بالذات كأحد محددات الارتقاء التالي للصدمة وكأحد عوامل الصمود النفسي كما يستدل بالتعافي والنهوض والارتقاء. 

ويجدر الإشارة إلى أنّ الشفقة بالذات تلعب أيضًا دورًا في تخليص القائمين برعاية الآخرين من ما يعرف بإعياء الشفقة أو التراحم Compassion fatigue أو الاحتراق النفسي لدى الأشخاص الذين يقدمون ما يعرف بالرعاية المركزة للآخرين، وعلى ذلك أظهرت نتائج عدد من الدراسات أن الشفقة بالذات أحد عوامل الوقاية من الاحتراق النفسي لدى من يتحملون أعباء حياتية تفوق قدرتهم الأمر الذي يجعلهم دائمًا في حالة من الأريحية والتقبل للذات والآخرين والتسامح والتصالح مع الذات ومع الآخرين. 

وينظر إلى عامل الشفقة بالذات أيضًا كأحد المحددات الأساسية في مساعدة الآباء وغيرهم من مقدمي الرعاية في التوافق مع المتاعب والصعوبات التي تنشأ من رعاية الأطفال ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد خلصت نتائج الدراسات التي أجريت في هذا المجال إلى أن ميل الآباء الذي يقدمون بتربية ورعاية الأطفال ذوي اضطراب طيف الأوتيزم إلى الشفقة بذاتهم أكثر إقرارًا بشعورهم بالهناء وأقل شعورًا بالانفعالات والمشاعر السلبية بالرغم من تعدد مصادر الضغوط الواقعة عليهم. 

خامسًا- تنمية الشفقة بالذات في العلاج النفسي Developing Self-Compassion In Therapy: 

تركز عديد من الطرز أو الأنماط العلاجية المعاصرة على تنمية تقبل الشخص لذات ورأفته بها وشفقته عليها، على سبيل المثال ربما يساعد المعالجون النفسيين الذي يتبنون المدخل المعرفي ـ السلوكي في العلاجي النفسي الناس أثناء عملية العلاج النفسي على إعادة تأطير وإعادة صياغة الأفكار المهينة للذات وغير المتراحمة مع الذات uncompassionate thoughts، بينما قد يتوجه أنصار العلاج بالتحليل النفسي إلى الاجتهاد في الكشف عن خبرات الطفولة التي ربما تكمن وراء نفص شفقة الشخص بذاته، ومن ثم مساعدة من يوجد لديه انخفاض في الشفقة بالذات على اكتساب مقومات الرفق بالذات وتفهم حالتها وتقبلها. 

من جانب آخر يبدو أن “الكشف عن ماهية الشفقة بالذات” وتحديد ما الذي تتضمنه في بنيتها فيما يعرف “بالرفق بالذات والحنو عليها kindness to oneself”، وليس “الترخص مع الذات والتساهل معها self-indulgence، أو الإشفاق على الذات والرثاء لها والنحيب عليها self-pity”، أمرًا يمكن أن يؤخذ به في سياق عملية العلاج النفسي؛ وبالتالي فإن فهم ماهية الشفقة بالذات ربما يمثل الخطوة الأولى في تطوير شفقة الشخص بذاته ورفقه بها وتراحمه معها.  

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى ما يعرف بالعلاج المعرفي القائم على اليقظة العقلية Mindfulness-based cognitive therapy تلك الصيغة العلاجية المعاصرة ضمن الموجة الثالثة والرابعة من موجات تطور العلاج المعرفي السلوكي والتي صيغت وتطورت على يد جون كابات ـ زين Jon Kabat-Zinn  والتي تم تضمينها بصورة إجرائية في برنامج خفض الضغوط القائم على اليقظة العقلية mindfulness-based stress reduction program بمناط تركيزه على تنمية “الوعي بالذات self-awareness” كأحد الخيارات العلاجية الفعالة في رفع مستويات الشفقة بالذات؛ ذلك لأن هذا العلاج النفسي هنا تمكين الشخص من رؤية ذاته منفصلة عن أفكاره وأمزجته السلبية التي يخبرها ربما بتقبلها أولاً ودون إسقاط أحكام عليها ثانيًا، ثم الوعي بها ثالثًا برفق ولطف، ومن ثم بداية الإبحار في مسار التخلص منها واستبدالها. 

ويتضمن العلاج المعرفي القائم على اليقظة العقلية عملية التدبر في الأفكار الإيجابي استجابة للمزاج السلبي، على سبيل المثال من يخبرون شعور بالدونية  lowness  بعد إثر تركيزهم على أخطائهم ومظاهر قصورها وإخفاقاتهم يمكن مساعدتهم على تقبل ذواتهم والرفق بها حال تهيئتهم للشفقة بالذات.  

وفي نفس السياق يأتي ما يعرف بالعلاج النفسي المرتكز على الشفقة Compassion-focused therapy (CFT) والذي صاغه وطوره بول جيلبرت Paul Gilbert والذي يركز على استخدام ما يعرف فنيات تدريب العقل الشفيق أو الرحيم compassionate mind training وتنمية السمات والخصائص والمهارات التي تزيد من الشفقة، من أجل تسهيل عملية الشفقة بالذات عبر خبرات تزرع في التكوين النفسي للشخص السلامة والأمن النفسي والرضا والطمأنينة. 

سادسًا- استراتيجيات تحسين أو زيادة الشفقة بالذات Strategies To Increase Self-Compassion:  

يمكن أن يتم تحسين وزيادة شفقة الشخص بذاته عبر عدد من التدريبات، فضلاً عن صيغتي العلاج النفسي المشار إليهما. وربما نقطة البداية تمكين الشخص من إعادة تأطير ما يعرف بالتوجه لنقد الذات عبر تدريبه على التعامل مع الذات بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع صديق، فإذا كانت الكلمات التي توجهها لصديقك أو لشخص محبوب جارحة وقاسية ومهينة، فإنها بكل تأكيد ستكون قاسية وجارحة ومهينة إن وجهتها لنفسك. 

والغريب حقًا أن لدى الناس ميلاً للتسامح مع إخفاقات الآخرين وأخطائهم وعثراتهم وتقبلها أكثر بكثير من تقبل أخطاء الذات والتسامح معها ربما بحكم التلطف مع الآخرين، ويمكن تقويض بنية هذا الميل عن طريق إعادة تكوين فنيات تقييم الذات وتمكين الشخص من امتلاك توجيه النقد إلى الذات وأن نقر في يقينه أننا بشر وأن القصور والنقص من لوازم الطبيعة البشرية، وأنه بمزيد من الشفقة بالذات يمكن تصويب مسار الذات في الحياة. 

وصاغت كريستين نيف في هذا الإطار مقياس “الشفقة بالذات self-compassion scale” لمساعدة الناس في الكشف عن ما إذا كان مستوى شفقتهم بذاته مرتفع أو متوسط أو منخفض، وطورت أيضًا عديد من التدريبات المتنوعة لتحسين الشفقة بالذات وزيادتها بما فيها تشجيع الشخص على كتاب وتوجيه خطابات إلى نفسه قوامها الرحمة كما لو كان يوجه خطابًا وديًا إلى صديق كل يوم أو كل أسبوع. 

وكما أشارت كريتسين نيف أيضًا إلى أهمية ما يعرف بالتدريب على التدوين Journaling  أو غير ذلك من الكتابة عن مظاهر القصور أو الضعف الشخصي القابلة للتحسين عبر اليقظة العقلية، وعند تضمين هذه التدوينات مع فنيات تغيير النقد للذات وممارسات التأثيرات الإيجابية يمكن أن يتعمق شفقة الشخص بذاته. 

ومن الأمور بالغة الأهمية في الصدد أن يمارس الشخص وعلى نحو يومي ما يعرف بروتين رعاية الذات والاهتمام بها self-care كأن يعمل على تلبية حاجاته الشخصي المشروعة وأن أن يعزز من مواهبه وقدراته ويهتم بذات وبالمعنى المتعارف عليه “تدليل الذات قليلاً ينجيك”. 

وما يجدر الإشارة إليه أخيرًا أنه عند انخفاض معامل العافية أو الهناء الشخصي personal wellness declines ربما يوجه الشخص الانفعالات والمشاعر السلبية تجاه ذاته، الأمر الذي يتعذر عليه ومهما اجتهد أن يشعر بالشفقة مع الآخرين. ا

– لمصدر الرئيسي: 

Tamara Thebert  (2019). Self-Compassion: GoodTherapy – https://www.goodtherapy.org/learn-about-therapy/issues/self-compassion

===========================

  1. Germer, C. (n.d.). Mindful self-compassion. Retrieved from http://www.mindfulselfcompassion.org.
  2. Gilbert, P. (2009). Introducing compassion-focused therapy. Advances in Psychiatric Treatment, 15(15), 199-208.
  3. Neff, K. (n.d.). Self Compassion. Retrieved from http://self-compassion.org/the-three-elements-of-self-compassion-2.
  4. Neff, K. (2011). Self-compassion: Stop beating yourself up and leave insecurity behind. New York, NY: William Morrow.
  5. Neff, K., & Faso, D. (2014). Self-Compassion and Well-Being in Parents of Children with Autism. Mindfulness.
  6. Persinger, J. (n.d.). An Alternative to Self-Esteem: Fostering Self-Compassion in Youth. Retrieved from http://www.nasponline.org/publications/cq/40/5/self-compassion.aspx.
  7. Thompson, B., & Waltz, J. (2008). Self-Compassion and PTSD Symptom Severity. Journal of Traumatic Stress, 21(6), 556-558.
  8. Yarnell, L., Stafford, R., Neff, K., Reilly, E., Knox, M., & Mullarkey, M. (2015): Meta-Analysis of Gender Differences in Self-Compassion, Self and Identity.

Last Update: 05-30-2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى