مقال

مشهد سوريالي يومي في فلسطين المحتلة

القراءة والحواجز وملاحظات إضافية

د. ايهاب بسيسو | فلسطين

في السيارة تقرأ كلود ليفي شتراوس، الازدحام أمام الحاجز ثلاث ساعات من الانتظار وما زال ينقر لحم الوقت بشراسة معتادة …
فجأة تظهر مركبة لجنود الاحتلال وراء سيارتك مباشرة، الطريق أمامك شبه مغلق ووراءك مركبة الجنود تصدر صفيراً عسكرياً متصلاً، في محاولة لاجتياز الازدحام، الذي تسبب به جنود مماثلون على مقربة، تضيق الاحتمالات كمساحات الفراغ الضيقة بين السيارات والحافلات حد التوتر المريب …
ثم فجأة يهبط الجنود بغطرسة مقصودة، وهم يلوحون ببنادقهم حول المركبة العسكرية، التي أخذت تزحف ببطء ببن السيارات، لتعبر باندفاع مسلح في حماية الجنود …
تتسبب مركبة الجنود بفوضى مضاعفة، فمن جهة حاول الجميع إفساح المجال قدر المستطاع للتخلص من وجود تلك المركبة العسكرية التي قد تصدم سياراتهم في أي لحظة وتتسبب لهم بخسائر إضافية – لن تقوم أي جهة بتعويضهم عن تلك الخسائر، كما حدث مع إحراق سيارات الفلسطينيين من قبل المستوطنين الاستعماريين في بلدة حوارة جنوب نابلس قبل عدة أسابيع، وكما يحدث يومياً جرَّاء الاعتداء على ممتلكات الفلسطينيين بوحشية – وبالتالي فإن السائقين وأصحاب السيارات والحافلات العمومية في غِنى عن أي خسائر إضافية في هذا اليوم الحار من نيسان، ومن جهة أخرى وكي يتم تجنب تلك المركبة العسكرية ازداد التصاق السيارات والحافلات ببعضها البعض مما أكًّد أن المرور الآن أصبح شبه مستحيل …
كأن الكون يختصر مفرداته الغامضة والمتعددة في دلالات عفوية ومُركَّزة ليتم صياغتها بما ينسجم مع بشاعة هذا الوقت الاستعماري، فعلى سبيل المثال يتوزع المعنى هنا – في تلك المساحة المطوقة بحواجز الجنود – بين كتاب “مداريات حزينة” لعالم الاجتماع والمفكر الفرنسي كلود ليفي شتراوس الصادر بالفرنسية عام ١٩٥٥ والمترجم إلى العربية عام ٢٠٠٠، ضمن إصدارات دار كنعان في سوريا، والذي يُقرأ للمفارقة العجيبة كجزء من مقارعة الوقت الاستعماري في فلسطين المحتلة في سيارة فلسطينية، تقف ضمن حالة من الجمود المروري بسبب حواجز عسكرية، تعيق حركة البشر المُستعمَرين بين المدن، يضاف إلى ذلك المشهد السوريالي ظهور مركبة عسكربة فجأة وبفجاجة مقصودة قبل أن تذوب فجأة كما ظهرت في الحدقات …
ملاحظة ١: كُتب المنشور أعلاه والتقطت الصور المرافقة كجزء من وقت متوتر موزع بين القراءة وانتظار شارف على أربعة ساعات بالقرب من حاجز قلنديا العسكري …
ملاحظة ٢: أصبحت القراءة على الطريق بسبب تكرار إغلاق الطرقات والحواجز مسألة بديهية للتغلب على سأم الوقت …
ملاحظة ٣: هذه بعض من يومياتنا المتعبة أيها المجتمع الدولي الحريص على الانتصار لحقوق الانسان في كل مكان على هذه الأرض …
ملاحظة ٤: غداً ٨ نيسان ذكرى استشهاد القائد الوطني الكبير عبد القادر الحسيني وبعد غد في ٩ نيسان ذكرى مجزرة دير ياسين.
ملاحظة أخيرة: ٧٥ عاماً منذ تاريخ المجزرة والنكبة ولم يتغير شيء، فالاستعمار يظل هو الاستعمار وإن تعددت سياسات الاضطهاد والعنصرية والقمع …
٧٥ عاماً منذ ذلك التاريخ ولن يمسنا النيسان أبداً …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى