الفنان دريد لحام والإعلامية وفاء كمال وجها لوجه (6)

وعَدْتُ ” دريد اللحام “أن أسأل ” الماغوط ” _ فيما لوحظيتُ بلقائه_ : إن كان دريد نعمة أم نقمة عليه.
قال: ستلتقيه بالتأكيد. وربما يكون حاضراً في حفل افتتاح فيلمي الجديد ” التقرير” . ثمّ قَلَّبَ مجموعة ملفات كانت على مكتبه. فأخرج مخطوطة لسيناريو الفيلم وقدمها لي، ممهورة بإهداء صغير .ثم أخرج من الجارور بطاقة دعوة مفتوحة لحضور الحفل ومنحها لي: وكان ” التقرير “عبارة عن مجموعة أحلام .وقد حدد المؤلف ” محمد الماغوط ” من خلالها المسؤولية على من يهدرون المال العام، بينما هنالك أطفال يتضورون جوعاً. وقد ظهر بطل الفيلم في حلمه الأول يحمل ملامح ” غيفارا “.وفي الثاني كان يرتدي لباساً حربياً قديماً، ويغطي رأسه بخوذة، ويحمي صدره بدرع، ويحمل الرمح والقوس. ويقوم بإقتحام سرداب سجن أسطوري مع أتباعه الذين يمثلون كل فئات الشعب ،منهم الشاعر الذي كان يحمل قلماً كبيراً ،تحول إلى رمح اخترق جسد المقاول ،وألقى القبض على السجان رغم امتلاكه للبندقية الحديثة .مشيراً بذلك أن لاقوة فوق قوة الشعب وإرادته .وفي الحلم الثالث يبدو بلباس فارس عربي ، يمتطي ظهر جواده شاهراً سيفه ،وخلفه أتباعه يتجاوزون لوحة كتب عليها فلسطين . هكذا نقلنا كل من المؤلف والمخرج إلى عالم التحرير والتمرد عبر الأحلام التي تشكل متنفساً لآلامنا .وكان ” التقرير ” أشبه بقصيدة تفضح وتعري ،تضحكنا وتؤلمنا ،مازجة الكوميديا بالمأساة ، حين تضرب كرة القدم رأس المستشار كيفما توجه في ساحة كرة القدم.ليؤكد أنه مامن تحقيق لتلك الرؤى وتلك الأحلام .


كان دريد يحدثني عن ” التقرير ” والقلق جلي في كلامه .فقلت له :لاحظتُ أنك تعيش دوامة من القلق والخوف وأنت تتحدث عن هذا الفيلم الذي أخرجته بنفسك .فما مصدر قلقك ؟
_(ج ) : الخوف والقلق مصدره حرصي على المكانة الفنية التي كونتها لنفسي في العالم العربي .
فليس للفشل سوى هوة واحدة . ومن هنا تريني أقلق قبل كل عرض .
مسرحية ( كاسك ياوطن ) عُرِضَتْ أكثر من ألف مرة على المسرح ،وفي كل مرة يرتفع ضغطي وتزداد دقات قلبي قبل رفع الستارة بقليل . وتبدأ صلواتي لكل الأنبياء والمرسلين كي أُوفق في عملي . فأنا أخاف من حدوث أي خلل أو زلة . خاصة أن فناناً مثلي أصبح في خريف العمر. لم يبق له من العمر مايكفي لإصلاح الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه .
قلت:العمر الطويل إن شاء الله .فمن مثلك لايقاس عمره بالأيام وإنما بقدر العطاء والإبداع .

***
هل لذلك الخوف علاقة بالضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها الفنان . فقد تحدثْتَ عن تلك الضغوط في أحد لقاءاتك في جريدة تشرين . هل يمكن أن تدفع تلك الضغوط الفنان للقبول بأدوار غير مقنعة بالنسبة له .
_ (ج ) : نعم يمكن . فهنالك فنانون دَخْلُهم لايكفي ليعيشوا حدود الكفاف .في أزمة الغلاء الحالية . لذلك لانستطيع أن نطلب منهم أن يكونوا مثاليين . فمتطلبات الحياة صعبة وقاسية .خاصة إذا كان المورد الرئيسي للفنان هو عن طريق تفرغه لهذه المهنة . فماذا عساه أن يفعل حينها سوى تقديم التنازلات ؟ .

***
_ ( س) : ألم تتعرض أنت لمثل تلك الضغوطات .
_ ( ج ) : تعرضتُ كثيراً في بداياتي . ولم أُقَدِّم تنازلات ، لأنني كنتُ شاباً بدون مسؤوليات ، وليس لدي أطفال أو التزامات تدفعني لتقديم تلك التنازلات .أما إذا كان الفنان صاحب أسرة مسؤولاً عن معيشتها ومصاريفها ،فلاألومه لو قبل بأدوار لاتقنعه . فالإنسان ليس إلهاً وظروف الحياة قاسية لاترحم .

***
_ ( س ) : ولوتعرضتَ حالياً لمثل تلك الضغوطات ماذا تفعل ؟
_ ( ج ) : لاأعرف ..أنا حالياً لاأتعرض .

***
_ ( س ) : يبدو أنني أرهقتُك بأسئلتي . ألا ترى معي أن الشهرة عملية مرهقة ؟
_ ( ج ) : الشهرة هي ألم لكنَّه لذيذ يشبه آلام المخاض عند المرأة لأنها تكون بانتظار مولود جديد .
عندما أسير في الشارع دون أن تومي إليَّ الأصابع سوف أتألم ،ولكن ألمي لن يكون من نوع الألم الذي يبعث اللذة بأعماق النفس .

***
_ ( س ) : لقد انتزعتَ التصفيق من جمهور غفير ، وحققتَ مكانة واسعة وشهرة كبيرة في العالم العربي . وتخلصتَ من الضغوطات الاقتصادية . فهل أنت سعيد الآن ؟
_ ( ج ) : نعم سعيد نتيجة لتوازني مع نفسي ، وتجانسي مع ذاتي، ولكن أرجوكِ، ثم ارجوكِ أن تختمي الحوار قبل أن تسأليني عن الوطن . لأنني سأغير إفادتي وأقول : إنني مقهور …مقهور.. .مقهور لما يحدث في الوطن العربي من خليجه إلى محيطه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى