قراءة في المعنى والسرد في(قديسون … ولصوص) لموسى رحوم عباس

فهد الحسن-ناقد سوري

** قديسون … ولصوص :
قراءة في المعنى والسرد لقصة الدكتور/ موسى رحوم عباس

إن الغوص في أعماق المعنى السردي لقصة الدكتور موسى رحوم عباس ( قديسون ولصوص ) يفضي إلى التقصي والغوص في ما وراء السطور وفي المآلات الرمزية التي تجر خلفها سلسلة من التساؤلات الوجودية المشبعة بالفضول الذي ينطوي على كثير من الدهشة… الدهشة التي تأخذنا إلى نواصي البنائية الجميلة في أسلوب القص الذي ينوس بين الحديث والقديم… عبر المأثور والتجريب اليقظ والبحث عن تفرد في أسلوبية التقديم للرؤى والأفكار.
كل ذلك يرافقه تكنيك حداثي يتكرر فيه التداخل بين لحظة راهنة وبين عوالم موغلة في القدم عبر لغة فارهة وصارمة بآن معاً ، ليؤدي ذلك إلى مرتكز درامي شديد الاختزال رغم الثراء اللغوي الذي يغلفه… مع انتقائية ملفتة للمفردات والتراكيب والاستعارات التي تؤدي دورها على أكمل وجه.
وبين السهل البسيط والممتنع العميق تنوس فكرة النص بالتزاوج القسري الذي يفرضه إيقاع مجتمع ما بين المقدس والعادي والنمطي الذي يستعصي على ذهن العامة والدهماء ، فيتحول إلى طقس يكتسب مع الوقت صبغة غرائبية لها صلة بالأسطورة أو الخرافة والوهم بما يسورهما من خيال جامح ومأثور يفرض إيقاعه ومنطوقه وغرائبيته.
وبين هذا العالم وذاك يكمن أسلوب القص الذي يستخلص دلالاته المباشرة من تلك الوقائع التي تتنوع بتنوع الشخوص والبيئة والمناخ الاجتماعي والديني والميثولوجي… ليظهر في النهاية ( مقدساً ) هلامياً يؤثر في العامة على نحو لا يقبل جدلاً ولا نقاشاً .
وما أشبه الشرق بالغرب في هكذا نمط من التفكير الغيبي المسكون بالرؤى الرثة والبالية المغرقة في تخلفها… وما قبور الأولياء والصالحين المزعومين إلا بعضاً من تلك الخرافات التي تتأكسد مع مرور الوقت لتصبح ( عرفاً ناشزاً ) ومزارات لتلبية غرائبية ونوازع الدهماء على اختلاف مشاربهم .
لقد أبدع الدكتور/ عباس في تناول هكذا فكرة ربما لم يتطرق لها الكثيرون من قبل… وفي هذا سبق يضع تجربته في سدة الريادة التي تذكرنا مع فارق خصوصية التجربة بالكاتب المصري الراحل/ يحيى الطاهر عبد الله… في تناوله لمثل هكذا سير عبر قراءاته لواقع مغرق بالخرافة والجهل وغياب الوعي الاجتماعي وما يشكله ذلك من هدم للقيم الخلاقة في المجتمع .
إن تجربة الدكتور/ موسى رحوم عباس المميزة تضعنا أمام تلمسها لشخصية خاصة في القص والسرد عبر أفكار ( بكر ) لم تألفها بعد ذائقة القارئ العادي ، وهي حالة تثويرية تسعى لنفض غبار الموروث الرث في البنية المجتمعية والفكرية وما تحتاجه إلى ثورة حقيقية للتخلص من أدران الماضي وثقلها المدمر .
طوبى لهكذا أدب يقدم فيه الدكتور موسى ذاته طليعياً في رؤاه ومبتغاه ، ومبدعاً في كشف العيوب والنواقص ورافداً حقيقياً لنهضة أمة طال رقادها طويلاً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى