عيون المها المعاصرة..

الشاعر محمد عصام علوش

عيونُ المَها بـيْـن الـرُّصافـةِ والجـسرِ جلَبْنَ الهوى من حيْثُ أدري ولا أدري

هذا البيت المشهور للشاعر العبَّاسيِّ علي بن الجهم وصف فيه عيون المها في زمن التَّرف

والغنى والحضارة، فإلى أيِّ الأوصاف آلتْ هذه العيونُ في أيَّامنا:

عيونَ المَها قـدْ غـبتِ في لُجَّةِ الـقهْرِ وسالَ على الخـدَّيْـنِ سَـيْـلٌ مـن الـجَـمـرِ

وقـرَّحَـتِ الأجــفــانَ دمـعــةُ بــائـسٍ دَهَـتـهُ خـطـوبٌ مـثـلُ قـاصِمـةِ الـظَّهْــرِ

وقـدْ حـفـرتْ حـولَ الشُّؤونِ بـمِعـوَلٍ أخـاديــد راحـتْ تـسـتـعـيـذُ مـن الـدَّهـرِ

إذا ما هـمـومُ الـنَّـفـسِ خالطـتِ الحشا فأوَّلُ مـا تسري على العَـيْـنِ إذْ تـسري

فتـخـطَـفُ مـنـها حـسـنَـها وبريـقَـهـا وتـغـتـالُ فـيـهـا لــذَّةَ الـفــتـكِ والـسِّـحـرِ

وقد كـنـتِ في الأيَّام لـلحـبِّ والهوى وحسنِ الـلِّـقـا بَـيْـنَ الـرُّصافـة والجِـسـرِ

وقد كنتِ في لمْحٍ من الـبَرقِ خاطفٍ تسوقـيـن أرتـالَ الـجــيـوشِ إلى الأسـرِ

عـيـونَ الـمَــهـا كـمْ كـان فـيـكِ تـألُّقٌ كمـثـلِ صفـاءِ الجـوِّ فـي لـيْـــلـةِ الـقـدرِ

عـيـونَ المَها كم قـدْ عرَضتِ لعاشقٍ فأصمَيْـتِ فـيهِ الـقـلبَ في الـكَـرِّ والـفَـرِّ

فـبــاللهِ مــاذا قــدْ دهــاكِ ولـمْ يَـجُــزْ بـكِ الـعُـمْـرُ أحـــقـابًــا أيَــا درَّةَ الـــدُّرِّ

لحـى الله أيَّــــامًـا ذوَتــكِ بـغــدرِهـا وقد حالَ فـيـنا الـدَّهْرُ لـلـضِّيـقِ والـضُّرِّ

لـحَـى اللهُ أيَّـامًـا أمــاطـتْ لِــثــامَهـا وقدْ جَثَمَـتْ مثـلَ الـرَّحـاءِ على الـصَّدرِ

فـلـيْسَ سِـوى فـقـرٍ وجــوعٍ وكُـدرَةٍ وكـمْ كـاد فـقــرٌ أنْ يـقـودَ إلى الـكـفـــرِ

ولـيْس سـوى هذا الغـلاءِ يَـشوطـنـا فـيُـوصِـلُـنـا لـلـقـاعِ في لُـجَّــةِ الـبَـحـرِ

وليْس سوى حَـبْـلِ الـمَجاعةِ مـضَّنا كما مَضَّ حدُّ السَّيْـف في لَحمـنا يَفـري

عيونَ الـمَها قـرِّي سيَـرجعُ نـبْـضُنا فـــإنَّ إلـــهَ الـكــوْن أدرى بــذا الأمــرِ

وإنَّ إلــهَ الـكــوْنِ يكــشِـفُ غـمَّــنـا وليْس سِوى الرَّحمنِ في اليُسْرِ والعُسرِ

محمد عصام علوش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى