كورونا والتركيب الجينومي الخاص به

أ. د/ أحمد علي دنقل

أستاذ الوراثة الجزيئية – كلية طب القصيم

هل فيروس كورونا الجديد هو إنتاج معملي أم تحور طبيعي لفيروسات موجودة أصلا أم منقول من حيوانات حاملة للفيروس دون ظهور عليها أعراض العدوى؟

سوف أختصر مقالي في نقاط محددة للوصول إلى إجابة مقنعة.

بدأت القصة مع إطلالة العام الجديد 2020 طالعتنا وسائل الإعلام بانتشار وباء فيروسي جديد في الصين هو نوع جديد من الفيروسات التاجية (كورونا) أطلق عليه Novel Coronavirus واختصر إلى -nCoV2019  أودى بحياة ما يقرب من 700 شخص حتى الآن. من هنا بدء القلق واضح على منظمة الصحة العالمية خوفا من تكرار ما حدث في عام 1918 من انتشار انفلونزا الطيور في أوروبا وأودت بحياة الملايين والذي حد من انتشارها في العالم هي حركة السفر لم تكن بالكثافة التي عليها وقتنا الحاضر.

ما هو الفيروس؟

الفيروس هو دقيقة غير حية (particle) يطلق عليها فيريون (virion)  وتتكون من غلاف بروتيني بداخلها الجينوم الفيروسي هو حمض RNA وبعض الفيروسات جينومه من حمض DNA. وهذا الغلاف البروتيني له تركيب مميز لكل نوع يمكنه من التعرف على مستقبلاته على الخلايا المستهدفة بمعنى إن فيروس الكبد الوبائي مستقبلاته فقط على خلايا الكبد وفيروس الايدز مستقبلاته على الجهاز الليمفاوي (المناعي) وسعار الكلب على الجهاز العصبي والانفلونزا مستقبلاته على الجهاز التنفسي وفيروس ايبولا على الاوعية الدموية وهكذا. والفيروس عموما ليس عليه أي مظهر من مظاهر الحياة لا يتغذى ولا يتنفس ولا يتحرك ذاتيا ولا يتكاثر اي هادئ خارج العائل الخاص به وعندما يصيب عضو العائل يتحول من السكون الى شراسة ويسيطر على الخلية ويسخرها لتضاعف أعدادها اللهم إلا الذين يملكون جهاز مناعي قوي يستطيع السيطرة على هذا الفيروس الشرس والفيروس عادة ينتقل إلى الإنسان عبر السوائل أي عن طريق الرزاز كالعطس كما في فيروس الانفلونزا أو الدم كما في الكبد الوبائي B,C والغذاء كما في فيروس الكبد الوبائي A وهو ما يحدث إذا قام شخص مريض بالعطس في وجه شخص آخر سليم فإنه يكون كمن نثر في وجهه حفنة من الفيروسات وهذه يتم استنشاقها مع هواء الشهيق ومن هنا يبدء الفيروس في التضاعف داخل الخلايا ويطلق عليه كيان (Entity)  لكونه شيئا موجود وله ثلاث أبعاد (3-D) وليس كائن (Organism) لأنه يفتقر للتركيب الخلوي والتنظيم المعقد المستقل المعروف بالخلية.

ما هو فيروس كورونا؟

ورغم أن دقائق الـ Coronavirus تبدوا تحت الميكروسكوب الإلكتروني كدقائق كروية الشكل إلا أن الغلاف البروتيني ليس كروي بل عصوي حلزوني يحيط بمادة وراثية عبارة عن شريط مفرد موجب من الـ RNA ويصل حجمه الى32 الف من القواعد النيتروجينية وهو أكبر حجم لمادة وراثية مكونة لفيروس. ويحيط بالدقائق غشاء من الـ Phospholipid مغروس به جزيئات جليكوبروتين (بروتينات مرتبط بها جزيئات من الكربوهيدرات) تبدوا من الخارج كنتوءات تحيط بالدقائق فيما يشبه “التاج” (أنظر الصورة المرفقة لدقائق الفيروس) ولأن كلمة التاج بالإنجليزية هي Corona’ فقد سميت هذه الفيروسات بالـ Coronaviruses  لهذا السبب. وسوف اختصر خصائص ذلك الفيروس في عدة نقاط:

• تم عزل أول فيروس كورونا في عام 1937. ويسبب بعض الأمراض في البشر والبعض الآخر ينتشر بين الحيوانات الأخرى ، بما في ذلك الجمال والقطط والخفافيش. منذ اكتشافه، تم العثور على فيروسات كورونا ذات الصلة التي تصيب الماشية والخنازير والخيول والديوك الرومية والقطط والكلاب والفئران والفئران. تم استزراع أول فيروس كورونا بشري في الستينيات من تجويف الأنف للأشخاص المصابين بالزكام.

• وفيروس كورونا الجديد يصيب الجهاز التنفسي كاملا بما فيها الرئتين وربما انسجة الكلى وهذا يختلف عن فيروس الانفلونزا العادية التي تصيب الحلق والانف فقط

• وكورونا الجديدة يمكنها ان تظل خارج الكائن المصاب مدة تصل الى شهر وقابلة للعدوى مجرد تلامسها ولأن غالبية الفيروسات تتكسر مع الجفاف وارتفاع درجة الحرارة غالبية الفيروسات تنتقل عن طريق سوائل (دم-لعاب-طعام-رزاز) الا ان هذه الفيروسات تنتقل بالتلامس مثل المصافحة وعندما شخص يلمس انفه او عينه تحدث العدوى فترة الحضانة تصل الى اسبوعين قبل ظهور المرض على حامله

• حديثا تم تحديد سبعة فيروسات من كورونا يمكنها ان تصيب الأنسان هي: (HCoVs) HCoV-229E و HCoV-OC43 و HCoV-NL63 و HCoV-HKU1 و SARS-COV سارس التي تسبب متلازمة الجهاز التنفسي الحادة وهي اختصار ل (Severe Acute Respiratory Syndrome) ، MERS-COV مارس وهي اختصار ل (Middle East Respiratory Syndrome) (متلازمة الجهاز التنفسي في الشرق الأوسط) ، و -nCOV 2019 وهذه هي الحديثة التي اكتشفت في الصين.

• تمثل نسبة الوفيات ما يقرب من 37% ثاني اكبر افة بعد فيروس ايبولا الذي يسبب 43% من المصابين

• فيروسات كورونا هي حيوانية المصدر ، مما يعني أنها يمكن أن تنتقل بين الحيوانات والانسان كماهو الحال مع فيروس كورونا المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (SARS-CoV) من القطط ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية Coronavirusمن الجمال (MERS-CoV و2019-nCOV من الخفافيش واعلن باحثون انه ينتقل من حيوان اكل النمل الحرشفي.  وفي كثير من الأحيان تكون موجودة بجسم الحيوان دون أن يظهر عليه أي أعراض وهنا مكمن الخطورة في أن الحيوانات قد تحولت لمخزن لفيروسات عديدة وخطيرة قد تنتقل تحت ظروف معينة من الحيوان المحتضن لها إلي الإنسان مسببة له أمراضاً خطيرة تظهر في شكل حالات وبائية فجأة

• فيروسات كورونا لها القدرة على التغير والتحول بمعدل مرتفع يحدث لها إعادة ترتيبReassortment وتظهر بخصائص جديدة وهذا مكمن الخطورة، ويحدث فسادًا لكل من أنظمة الكشف التشخيصي وكذلك العلاج (او اللقاح).

• التركيب الجينومي لفيروس كورونا اوضح انه يتكون من 32 الف قاعدة نيتروجينة وبمقارنة الجليكوبروتين لعدد من فيروسات كورونا المختلفة وجد انه يتكون من 1277 حمض أميني (كما هم موضح بالشكل) وتم مطابقة ومقارنة هذا الجليكوبروتين الجزء الرئيسي المسبب للمرض بين فيروس كورونا الجديد 2019-ncov مع فيروس سارس SARS من خلال باحثين هنود اوضحوا اختلاف في اربع مواضع على مستوى الاحماض الامنية (كما في الشكل) وافترضوا أن هذه المناطق الأربعة تتشابه مع مثيلاتها في فيروس الايدز. وهذه الفرضية لم يؤكدها بحث تجريبي وإنما أتت من بحث معلوماتي Bioinformatic research . وبذلك المحوا ان هذا الفيروس منتج معمليا دون دليل قاطع على ذلك. واسرع كثير من الباحثين في التشكيك في صحة تلك الفرضية علما بأن البحث لم ينشر في دورية علمية وانما نشر في موقع علمي bio Rxiv متخصص في النشر المبكر لحجز الاسبقية وليس هناك اجابة قاطعة ان الفيروس الجديد ناتج من أبحاث أو منقول كما قيل أخيرا من أكل النمل الحرشوفي الذي يأكل في الصين وإفريقيا ويعيش على الأشجار وباهظ الثمن بعدما أعلنت الصين مقارنة فيروس كورونا من ذلك الحيوان يتشابه بنسب 99% مع الفيروس الجديد وشكك أيضا في ذلك إنما الأرجح أن يكون تحور من سلفه من الفيروسات وبعد سنوات أيضا سوف تظهر أنواع جديدة.