من لطائف سورة يوسف ..صناعة التفاؤل

دكتور عادل المراغي/ أكاديمي وأديب مصري

من أكثر سور القران الكريم التي تدعو الي التفاؤل وتشن غارة علي اليأس سورة يوسف وهي من السور المكية التي نزلت بعد عام الحزن تطييبا لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم فكانت بمثابة حبات الندي التي تتساقط علي الوردة الظمأي،ومن لطائف وأسرار سورة يوسف أنها تجلب لقارئها الفرج والفرح والسرور والحبور،فما قرأها محزون ولا مكروب إلا فرج الله همه وحزنه كما قال عطاء بن ابي رباح،
ومن العجيب في سوره يوسف أن يعقوب عليه السلام تربى على تفاؤل جده الخليل عليه السلام،ورضع لبن التفاؤل من جدته سارة حينما جاءت الملائكه وبشرت ابراهيم عليه السلام وسارة ،قال تعالى على لسان الملائكه( قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين* قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) وقد زرع يعقوب التفاؤل في قلب ولده يوسف عليه السلام ،
ولك أن تتخيل أن يوسف عليه السلام ذهب في الدهر الأول وظل عشرين سنة في عداد الموتى والمفقودين ولكن يعقوب عليه السلام مازال يأمل في رحمه الله قال لبنيه ( اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)
ومن لطائف سوره يوسف أنها من اكثر السور التي تحدثت عن اليأس وهزيمته وعن البشرى و عن الفرج بعد الشده وعن اليسر بعد العسر ،فهذه السورة أكثر سورة وردت فيها كلمة (يأس) في القران الكريم قال تبارك وتعالى على لسان يعقوب عليه السلام (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) وقال جل شانه (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) وقال تعالى( فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا)
فسورة يوسف تقود إلى حسن الظن بالله و هو أفضل العبادات ، فأفضل العبادات القلبية انتظار الفرج لأنها تشتمل على الصبر والدعاء وحسن الظن بالله والرجاء والتوكل والإنابة، والإيمان نصفان(توكل وإنابة) قال تعالي (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )
وإذا دخل اليأس على القلوب بارت وإذا دخل على الهمم خارت وإذا دب الأمل في النفوس فارت ،
ومن لطائف سورة يوسف في صناعة التفاؤل وهزيمة اليأس أن سيدنا يعقوب عليه السلام كانت له ثلاث لاءات و هذه اللاءات الثلاث ( لا تياس) (لا تستعجل ) (لا تتنازل) وهذه الثلاث كفيلة بتحطيم أي أمة أو مجتمع .
وخلاصة سورة يوسف عليه السلام تتضمن ثلاث آيات الآية الأولى قوله تعالي (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
الآية الثانية قوله تعالى:( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الآية الثالثة قوله تبارك وتعالى( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
ومن لطائف سورة يوسف في صناعة الأمل أنها مليئة بالدموع والآهات والعبر والآيات( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ)
ومن لطائف في سورة يوسف أن لطف الله الذي يسري في أوصالها من أولها إلي آخرها، فأخرج الله يوسف من غياهب السجن عن طريق رؤيا منامية زار طيفها روع الملك وتسللت إليه في جنح الليل، ومن مواطن اللطف في هذه السورة أن الله أحوج القافلة في الصحراء إلى الماء ثم أحوج العزيز إلى الولد كي يشتريه ثم أحوج امرأة العزير إليه فأحبته وكادت له وسجنته، ثم أحوج الملك لتفسير الرؤيا بإخراج يوسف من السجن ،ثم أحوج العالم إلى الطعام ليصبح يوسف عزيز على مصر حتى يلتقي الجمع ويلتئم الشمل .
فإذا تولى الله أمرك هيأ لك الأسباب كما قال بعضهم( إن لله يدا تعمل في الخفاء فدعوها تعمل ولا تستعجلوها )
ومن لطائف سورة يوسف أنها بدأت بحلم واختتمت بتحقيق هذا الحلم (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
فقد تخرج المنحة من بطن المحنة و يخرج الخير من بطن الشر
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وتأمل كيف أن الحب قاد إلى البئر وأن البئر قادت إلى بيت العزيز وأن بيت العزيز قاد إلى السجن ،وأن السجن قاد إلى ملك مصر وأن ملك مصر قاد إلى اجتماع الشمل وتحقيق الحلم، فلربما كان العطاء منعا ،وربما كان المنع عطاء ،فلا تفرح بشيء حتى ترى عاقبته.
ولله در صفي الدين الحلي حيث جسد هذا المعني في قالب شعري بديع:
صفي الدين الحلي :
كن عن همومك معرضا
وكل الأمور إلى القضا
أبشر بخير عاجل
تنسى به ما قد مضى
فلرب أمر مسخط
لك في عواقبه رضا
ولربما اتسع المضيق
وربما ضاق الفضا
الله يفعل ما يشاء
فلا تكن متعرضا
الله عودك الجميل
فقس على ما قد مضى
ومن لطائف سورة يوسف أن كيد الرجال أبشع من كيد النساء
فقد ذكر القرآن الكريم أربعة أنواع من الكيد كيد الشيطان(إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) وكيد الرجال( يا بني لا تقصص رؤياك علي إخوتك فيكيدوا لك كيدا) وكيد النساء (إن كيدهن عظيم) وكيد الكافرين (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) وأبشع أنواع الكيد هو كيد الرجال على الرغم من عظم كيد النساء لأن كيد النساء يأتي من قبل الحب والغيرة وكيد أخوة يوسف جاء بسبب الكره والبغض والحقد والحسد ولما كادت امرأة العزيز ليوسف ألقته في السجن واكتفت!؟ ، بينما كاد له مخإخوته فهموا بقتله وألقوه في البئر وبيع كما تباع الشياه وألقي كما تلقي الأحجار، ولهذا السبب كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من كيد الرجال [اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال]رواه البخاري
ومن لطائف سورة يوسف أنه رغم كره أخوته وإلقائه في البئر وبيعه كبيع العبيد وهو سليل أنبياء ثم كيد أمرأة العزيز وألقاؤه في السجن مع اللصوص والمجرمين وهو الطاهر الكريم ابن الكريم ابن الكريم.
رغم كل هذه الصدمات النفسية العاصفة إلا أنه ظل متصلاً بخالقه راجيا في رحمته عظيم الثقة بالله، لم يتأثر ولم يتزعزع إيمانه بنصر الله له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى