رحلة في الجنوب اللبناني قامت بها: وفاء كمال (3)

قاع الدم الأول ( سحمر ) ( 3 )

 

لم تكن شقيقتي الصغرى ريما تخفي عشقها لقريبنا ياسر. وتتعمد أن ننزل باتجاه النهر في يوم عطلته إذ كثيراً ماكنَّا نلتقي به عند ضفة النهر، فيدعونا إلى كرْمِهِم عند الضفة الأخرى ,فترفض ريما. فيقطع النهر سابحاً باتجاهنا ..كيلا يذهب بعيداً نحو الجسر . كانت ريما ترمق جسده البرونزي. وذراعيه اللتين تجدفان الماء بقوة, وعضلات صدره المنحوتة . ثم تنظر نحوي وعلى طرف فمها ابتسامة خفية . وكأنها تقول: ماأجمله من وسادة .
كان ياسر شاباً ذكياً، سريع البديهة، ذا لسان ظريف وثقافة عالية . استطاع ان يعوِّض بها عن الشهادات الجامعية . ورغم صغر سنه كان يحدثنا نقلاً عن لسان أبيه , كيف ثار أجدادنا القدامى أيام الثورة الحسينية، وامتنعوا عن دفع الحصة لإقطاعيي مشغرة.

وكيف جاء الأجانب والمهندسون والعمال فيما مضى وبنوا السد الأول فوق نهر الليطاني ثم هدموه. وبنوا سداً آخر. بحجة أن الأول لن يصمد أمام تدفق الماء القوي للنهر . ولكن المياه التي تجمعت خلف السد لم تكن كافية حتى لري الأرض البور على جانبيه. مما أكَّدَ للأهالي أن القيِّمين على الهدم كانوا يريدون بذلك نهب أموال الدولة.

وقيل إن المهندس الذي احتج على مكان السد في القرعون بدل خانق النهر في سحمر. قد مات في ظروف غامضة. كان ياسر مهتماً بكل التفاصيل التي تتعلق بالضيعة مأخوذاً بأخبار النضال والمناضلين.
لذا كنت استمع إليه بشغف لاينتهي إذ أنني كنت أجد حياة أولئك المقاتلين بعتادهم المتواضع أهم بكثير من حياة المسؤولين الذين كانوا يزورون القرية أيام الإنتخابات ويجمعون الناس في منازل أعوانهم ليوزعوا بعض المال على مرأى من الجميع بطرق مدروسة خالية من المفاجآت مليئة بالابتزاز وإذلال الناس .كنت أكره حياة ذلك الصنف التي تختلف عن حياة الناس البسطاء الذين لاتنتهي عندهم المفاجآت والمواقف التي يمكن من خلالها ان ننفذ إلى الذات الإنسانية بصدق.
يتبع ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى