على ضفاف التذوق..

 

وَكانَ ضُمرانُ مِنهُ حَيثُ يوزِعُهُ .:.

طَعْنَ المُعارِكِ عند المُحْجِرِ النَّجُدِ (*)

——————————-

لوحة نابغية متداخلة تمور بها المعاني المطربة، وتتدافع فيها الاخيلة المجنحة

ولكنها تتفق – مهما اوغلت مفرداتها في الغرابة – في المقارعة والانقضاض.. 

مفرداتها … ثور هائج قوي مفتول العضلات، موثق الخلق، جسور جامح طامح .. ورجل ذو كلاب (كلّاب )، يستحثها نحو الثور، ويؤزها عليه أزا؛ لترديه، أو تنفي عنه بعض معاني قوته؛ فيعيق بذلك مسيره، ويحول دون بلوغه غايات الطريق. 

.. هاهو الكلاب، يقف عند طرف المشهد … وقد بث كلابه جميعها نحو ذاك الثور ( الذبياني ) الجامح، الذي لا تكاد تعترض سيره عقبة كؤود، أو تنال منه سعيه هواجس الحنادس …

يريد ذلك الكلّاب أن يحرز الثور صيد سمينا، وأن يجرده من حياته؛ ليعود به ظفرا، ليس كمثله ظفر …

يتقدم أحد أفتك هذه الكلاب، ذاك الذي سبق أقرانهظ لحدته، وخفته، وموفور نشاطة، ويدعى ( ضمران ) ..

إنه ذلك الخفيف الأزلّ، الذي هُيئ للانقضاض ،كما يبدو من جسمه ،حيث ينحف جنباه ،ويغور بطنه، ويمتد طوله ،فهو حقا ضامر .. ولعله قد اُشتق من صفته اسمه …

يتواثب في قوة وشراسة نحو هذا الثور المتقد.. يعاركه مقبلا عليه منقضا .. ..

انها مواجهة المتحدي النافر المنبعث .. مع الثور الذي أعد سلفا إعداد مهولا لقلب غايات المتربص كما تصوره الأوصاف السابقة ،والتي ذكرنا طرفا منها في طرح مستقل سابق ..

يقف ذاك الضامر تماما حيث أراد له كلّابه … يندفع اندفاعا شرسا، يناسب حجم التحدي الكبير ..

وهاهو الثور النابغي المرصود .. ما إن يُدبر هاربا نحو ما يظنه النجاة ؛ حتى يرتد مقبلا عليه كسهم مارق ، لا ينتظره كثيرا ، بل تمور به القوة، وتغلي مرجلها في عروقه ؛ فيعد له عدة الموت ، ينازلة هذه المرة مقبلا متأهبا ،في غير فر .. .. بل يثب إليه وثبا مزمجرا ؛ يبتدره بقرون طويلة منسرحة، لا يعتورها الميل ،ولا يدخلها الضعف، كأنها أرماح لوامع في صدورهن القضاء

وكانت ساحة المُحجَر النَجُدِ، هي أرض المعركة التي التًجيء إليها ،وربما كان للثور نصيب من صفة النُجُدِ ( بضم النون لا فتحها على رواية ) بوصفه ذاك المعارك النُّجد الشجاع، الذي يستنجد به

وربما استحق هذه الصفة (النَّجد ) (بفتح النون ) التي من معناها االكرب، والشدة مما أصابه ذلك التعب، الذي يكون أبرز أدوات ترجمته إلى حس ظاهر، هو العرق، الذي يصاحب شدة الكرب، الممزوجة بالجهد والإعياء

ينقض عليه بقرونه الطويلة المسننة، ويدفعه بها دفعا .. ومازال الثور به، يُوزعه، وينكته بقرونه، حتى أعياه، وأهاضه وملأ جسده كله نصبا وتعبا …. ثم …هاهو يجهز عليه في غير بَرّ ، ببراعة تصويرية نابغية، تبلغ من تمام دقة التصوير حد التناهي، كما تدلنا الصورة التاليةفقد أودى بحياته، وأجهز على ما تبقّى منها حين :

 

شك الفريصة بالمدرى فأنفدها

شك المبيطر إذ يشفي من العضد. 

فصار قرنه وقد اعتلق به، ودخل في صفحة جنبه، وخرج من الناحية الأخرى؛ كأنه سفّود شرْبٍ نسوه عند مفتأدِ…

 

 

 

—————

(*) يوزعه ..أي يحثه صاحبه ويغريه يستصرخه ..وأميل إلى كون المعنى المخبأ في يوزعه هو يردعه وينهاهفيكون الأوفق للسياق أن تكون ( طعن ) مرفوعة باعتبارها معمولة لـ ( يوزعه ) لا منصوبة لعامل محذوف تقديره ( يطعنه طعن المعارك ) .. وهي رواية أيضا – أعني الرفع – فيكون المعنى :أن ما يردع الكلب وينهاه على معاقرة الثور هو ذلك الطعن من الثور له والذي يشبه طعن المقاتل المعارك الذي يستهدف به ذلك الكلب المتمرس ضمران ، فيكف بأسه عنه ..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى