مقابلة بين “حوّائية ” هدى ﭬاتي وفلسفة الحبّ عند شوبنهاور وكانط وأفلاطون وسقراط
رشدي بن صالح سعداوي | الجزائر
بدءا أنا من سمّيتها “حوّائية ” نسبة لحوّاء، لسببين:
ـ سياقها النّاطق تصريحا بالثّنائية الأزليّة السّرمديّة آدم_حوّاء.
ـ شاعرتها الصّادحة في جلّ أشعارها بصوتها الثّائر نسوية على الأغلال والقوالب والأحكام.
تقول إذا شاعرتنا:
أنثاك خطيئتك الأولى
إن اخترت بأن تقطف من شجر الجنّة قلبك اهبط
اهبط
اهبط حرّا
ولا تترك باب خروجك مفتوحا…
باردة، باردة غابات الجنّة
بعد خروجك
ليت ملائكة جسدي تحرق شجر شهوتك
كي أشعر بالدّفئ
منذ خرجت
وأنا أبحث عن شيطان
يعلّمني كيف أعصي إلاه الحبّ
واستكبر عن طاعته
أتعلّم أنّ الجنّة من دونك
جثث ملقاة في الذّاكرة وخراب
قل لي
في الأسفل
هل يبدو اللّيل مساحات شاسعة
خارج أدغال الحبّ؟؟؟
آه يا قلبي
لو أنّك تصبح أسدا في مرتفعات الأحلام الوعرة
أو حجرا لا أكثر
على الأرض أخطائي الألف
أزرعها في مزرعة تدعى القلب
كي تنبت تفّاحا
فلم قلبك تابوت مملوء بالأشواك؟؟؟؟
هو مونولوج عموديّ حادّ كسهم يلقى من وراء السّماوات(الجنّة ـ المثاليّات) نحو طين الأرض(الأسفل ـ الواقع).
يلقى من خلف خيمة منتصبة في اللّاوعي الأنثويّ ويرمى بها وعي ذكوريّ، تلكم الخيمة هي الدّين بنصوصه وموروثه وخرافاته الممتدّة حتّى العرف الإجتماعيّ.
رمية سهم عجزت عن تغيير الواقع فقلبت المشهد القابع في مخيالنا رأسا على عقب. لاحظوا ذلك بدأت بقطف الحبّ (إن اخترت بأن تقطف من شجر الجنّة قلبك) وانتهت بالتّفّاحة(كي تنبت تفّاحا).
أنثاك هي خطيئتك الأولى، ليس بذاتها وإنّما بكونك أخرجتها من قلبك بقطفه وبالتّالي غادرت جنّتك الّتي هي أنثاك. تسلسل منطقيّ لا بدّ له من تمثّل في الواقع. تمثّله في الواقع يأتي من خلال منطوق الطّرد (اهبط حرّا) طرد نهائيّ(ولا تترك باب خروجك مفتوحا) مبني على خيار شخصيّ لا مباشر سابق. كأنّنا بصدد جدليّة مخيّرـ مسيّر.
خلاصة هذا المقطع أن المرأة هي الجنّة، قطف الرّجل قلبه منها أو قطفها منه فكانت هي خطيئته الأولى على شاكلة الجنّة وآدم والتّفّاحة فطردته نهائيا. وإذا اتّبعنا التّسلسل المنطقي فإنّه لا يطرد إلّا سيّد المكان، فهل نحن بصدد حوّاء ـ الجنّة ـ الإلاه؟
إقرار بأنّ غيابه بعد طرده تركها باردة، الجنّة ـ هي ( باردة باردة… ). لكنّ أنفتها جعلتها تنشد الدّفئ لا في عودته بل في احتراق شهوته أو شهوتها له ( ليت ملائكة جسدي تحرق شهوتك… ). لاحظوا قولها جسدي ولا قلبي أي أنّ الجسد من يعطش أوّلا للفراق. هي استنجدت بالملائكة ولم ينفع، تابعوا إذا !
ستستنجد بالشّيطان ( منذ خرجت وأنا أبحث عن شيطان ). لماذا يا ترى؟
لمتناقضين:
أوّلهما أن يعلّمها كيف تكفر بالحبّ، فالقضيّة أعمق من عطش الجسد إذا، إنّه عطش القلب للحبّ. ثم هي تعترف بعدم ألوهيتها على الحب، صارت فقط إذا المرأة ـ الجنّة، واستنجدت بإلاه الحبّ ( وأنا أبحث عن شيطان يعلّمني كيف أعصي إلاه الحبّ… )
ثانيها أنّ الجنّة ـ هي في غيابه خراب ( أتعلّم أنّ الجنّة من دونك جثث ملقاة في الذّاكرة وخراب ). مهمّة كلمة أتعلّم! أسقطت عنها صفة الإلاه.
تمزّق بين رغبة في الكفر والإيمان، بالحبّ.
تطلّ عليه وتقول: ( قل لي في الأسفل ) . لا زال كبرياؤها الأنثويّ يرتفع بها عنه وينخفض به عنها.
ثمّ الأسفل! هل هو نزواته، امرأة أخرى أم العدم؟
اسألوها، هي تقول ( خارج أدغال الحبّ ). تسأله عن اللّيل رمز الحبّ ورمز وحدتها ( هل يبدوا اللّيل مساحات شاسعة؟ )
كأنّ الخطاب لان وبدأت تبحث عن مخرج.
ثمّ خطاب موجّه نحو الذّات فاعتراف.
أمّا الخطاب الموجّه نحو الذّات ففيه تتمنّى لو كانت أسدا ( آه يا قلبي لو أنّك تصبح أسدا في مرتفعات الأحلام الوعرة ) أي تتحدّى منعرجات الحبّ وانكسارته.
وصمودا ( أو حجرا لا أكثرا ) سأقرأها في السّياق إيجابيّا فأقول صخر يصمد ويصمت حتّى تمرّ العاصفة، ويبقى الحبّ.
أمّا الاعتراف فينحّي عنها صفة الجنّة وتبقى امرأة. حيث تحسّها أنّها نزلت أرضا ولم تعد تخاطبه من وراء سماواتها ( على الأرض أخطائي الألف ) حوّاء تمشي على الأرض. وحتّى الأخطاء تثمّن ( أزرعها في مزرعة تدعى القلب فتنبت تفّاحا ). ما أجملها من صورة.
لتختم فتقول له ( فلم قلبك تابوت مملوء بالأشواك؟ )
انزع أشواكك من قلبك يا آدم وتعال، اقطف تفّاحا حوّاء لا تزال…
قصيدة رائعة بناء ومعان وصورا.
أمّا عن مقابلتها مع فلسفة الحبّ فأرى أنّ شاعرتنا قد تدرّجت، قد يكون مصادفة، من فلسفة شوبنهاور في الحبّ إلى فلسفة كانط ليستقرّ بها الأمر عند أفلاطون وسقراط.
كيف ذلك؟
هي بدءا وكما أسلفنا كانت المرأة ـ الجنّة ـ الإلاه. كفرت بالحبّ ولفظت آدم منها نتيجة خطيئته فألتقت هنا مع آرثر شوبنهاور ووهم الحبّ حيث الحياة شقاء لا نهائي يجب الخلاص منه حيث الحبّ خيانة تمدّد في ذاك الشّقاء والحبيبان اللّذان يعيشان تحت وهم الحبّ هما في الواقع يسيران وفق القطيع. فلسفة متشائمة ونظرة متطرّفة للحبّ.
يتطوّر الموقف فتخلع شاعرتنا عن حوّائها قناع الإلاه، تستنجد بالملائكة والشّيطان في موقف تراجيديّ من الحبّ يجعلها تلتقي مع ايمانويل كانط وتراجيديا الحبّ حيث الحبّ علاقة معدية بالضّرورة نهايتها تراجيديّة ونبعت فلسفته من تجربة ذاتية حيث ماتت أمّه نتيجة الحبّ والصّداقة وهي تؤازر صديقتها المنهارة نتيجة خيانة صديقها لها، شربت دواءها كي تشجّعها على شربه لتشفى فماتت هي عوضها.
لا زلنا إذا ضمن سياق سلبيّ للحبّ رغم انخفاض وتيرته من المرأة ـ الجنّة ـ الإلاه إلى المرأة ـ الجنّة أو من شبنهاور ووهم الحبّ إلى كانط وتراجيديا الحبّ.
ثمّ يتطوّر الموقف إيجابا حيث تنزع الشّاعرة عن حوّائها قناع الجنّة ويصير الخطاب أفقيّا بعد أن كان عموديّا وتعترف ضمن واقعيّة رائعة وتزرع ذنوبها في قلبها فتنبت تفّاحا وتدعوا آدم أن انزع شوكك من قلبك وتعال فالحبّ أرضيّ فتلتقي مع سقراط في فلسفته في الحبّ من خلال أفلاطون وكتاب المأدبة: فلسفة الحبّ. حيث أوضح أنّه يوم ولادة أفروديت كان هنالك احتفال عند الآلهة وكان حاضرا الإلاه بارع ابن الحكمة فسكر ونام في الحديقة فأتت الحاجة لتجمع الفتات وعندما وجدته في الحديقة استلقت بجانبه لتحصل على ابن يخلصها من الفقر وهكذا ولد الحبّ أو إيروس ويستخلص سقراط في روايته عن الكاهنة ديوتيم دومانتيني أنّ الحبّ إيروس ليس إلاها بل وسيطا بين البشر والآلهة فهو ليس جميلا ولا قبيحا، ليس عالما ولا جاهلا ولا غنيّا ولا فقيرا مزج بين صفات أمّه وأبيه وبفضل رعاية أفروديت أصبحت له قوّة متنامية تحرّكها الرّغبة للجمال.
هكذا يلتقي الحبّ والفلسفة في قصيدة شاعرتنا هدى.