خزَّاف الأمل

عبد الناصر صالح | فلسطين

( إلى الصديق الأسير الحُرّ محمد خَلَف )

يَخْضَرُّ عُمْرُكَ في أريكَتِهِ
وتَنْتَصِبُ الأماني ماجداتٍ نافذاتِ الوَعْدِ
هل وُلِدتْ هنا أحلامُنا جَذْلى
فأطْبَقَتِ الغُيومْ على الجبالِ؟
فأيُّ سّرٍ يَختفي في لحظةِ الإسراءِ
تَرْمِقُهُ الجَوانِحُ ؟
هل ترى زيتونةً عَطشى
سيحرثُ أرضَها الشُّهداءُ ..
تنبئُ عنكَ أزهارُ تَوَشّحَها المَقامُ
بهالةِ النَّفَحاتٍ ،
لا تَغْفِلْ صِراطَكَ مُستقيماً
فالتلالُ على هُدى الثوّارِ دانيةُ القطوفِ
كصوتكَ المَجدولِ بالطّيبِ المُدَوّي
هل تَبَعْثَرَتِ الخُطى ؟
أبداً مَضَيْتَ مُقاتِلاً
في زحْمةِ الأشواكِ
خَزّافُ النّزاهةَ أنتَ
ألفَيْتَ الصّباحَ على الكُرومِ
فَرُمتَ طَلْعَ غُصونهِ
واخترْتَ داليةً لتسكُنَها ؟
كأنكَ تفتحُ الآفاقَ مُبْحرةً على وشمِ الجليلِ
فهل فَكَكْتَ رموزَها لترى تفاصيلَ الهويّةِ
لا تُسافرْ خِفْيةً واجْهرْ بصوتكَ
يسقطُ الصّنمُ المُريعُ
وكلُّ أذيالِ الخيانةِ
يرحلونَ
أولئكَ الأغلالُ في أعناقِهمْ
هل تخطئُ العينُ البصيرةَ ؟
سوفَ يَدْهمُكَ الجنودُ
بلى..
سيقتحمونَ سجنكَ
فاحتملْ نَدْباً يزولُ
فلم يجفَّ الثّديُ من ظمأٍ
وليس بقادرٍ نابُ الأفاعي السّودِ
أن يجتثّ ما نقشت يمينُكَ في الصّخورِ
وما رسَمْتَ على الدفاترِ
هاكَ موّال شديُّ الحَرْفِ
حسبكَ أن ترى الكلماتِ تسلكُ في مسارِبِها
كأنك هِمْتَ في أقراطِها ..
وكأنّني أَرِثُ المقالَ
ورثتُهُ حقاً ..
وصرْتُ أمينَ حكمتهِ/
وحافظ سرّهِ
ما ضرّني النّكران أو غُصَصُ الخِداعِ
ولن يضرّك في احتدام النّور ما قد وسوسَ الشّيطانُ في الأَذْهانِ
ها مرَّ الشهيدُ على النّدى تِلْوَ الشّهيدِ
وأثمر الحنّاءُ حوْلَ قُبورِهِمْ
وعقاربُ الزّمنِ احتفَتْ برنينها
فاصدحْ بصوتِكَ
واكتسح طوقَ التلوّثِ
دونكَ القضبانُ
والزنزانةُ الحمقاءُ تستلبُ الغوايةَ
فاقتَحِمْ لُجَجَ الذئابِ ودثِّرِ الموّالَ
لحنُكَ ثابتٌ
فاكنسْ تلابيبَ الرّدى بمدادكَ السّرْديّ
إنّ الشمسَ مقبلةٌ تُجَدِّلُ عمرَنا بنعيمِ صحوتِها
فَكيفَ يَصُدّكَ الأوْغادُ عن قيثارةِ المعنى؟
كأنَّ الليلَ مبتورُ الشراع
فسرْ على درب النّبوءةِ
واثقاً
هطلَ الشتاءُ على المَجازِ ..
وأطلقَ الأملُ المحَرَّرُ ياسَمينَ الرّوحِ ..
“جَتُّ” الأخْيَليّةُ تنفثُ الرّؤيا
على جسرِ الحروفِ
كأنها الفينيقُ تُبعَثُ من رمادِ القهرِ
أو تعليلةِ الجدّاتِ للأحفادِ
رغم فداحةِ السّنواتِ
ترْتدُّ الأحابيلُ اللّعينةُ
سوف تحدوكَ القوافي
حرّةً
لمـّاحةً
فاسلكْ تقاليدَ النُّبوَّةِ
حيث صوتُكَ نافذٌ في لَسْعةِ البارودِ
لم تَخْشَ الرّدى
فعرفْتَ نَفْسَكَ ..
هل تتسلّقُ الغَيْمَ الخفيضَ
لترتوي من فِطْنَةِ الحُكَماءِ
فانهَضْ ..
قد تَرى شمساً وبارقةً
تُطلُّ من الزنازينِ الخبيئةِ في البُرودةِ
أيّ عاصفةٍ أتت بالشّمسِ /
فاستَبِقِ المَدى
واكسَحْ بقايا الحائطِ المُصْـفَرِّ
سوفَ نزورُ تلكَ القلعةِ الصّماءِ
نسكُنُ في ربيعِ الوَشْمِ
لم تَغفلْ مَواجِعَ ” جت “
لم تُبْلغْ دعاةَ الشّرِّ أين يكونُ قبرَ أبيكَ
كلّ نوافذ الدّخَلاءِ مُغلقةٌ
ومُطفأةُ العيونِ
فأيّ سجنٍ سوف تفتحُ ؟
أيّ نافذةٍ تطلُّ على المُنى
لا تُلْقِ أُذُناً للطُّفَيْلِيّاتِ
تَرْصُدُ خَطوَكَ المَمْشوقَ
واغْلِقْ دونَها كلَّ الشُّطوطِ
الآنَ سوفض تؤولُ للنّسيانِ
يحتدمُ الصَّدى
فهل الترابُ ملاذُنا الأبقى
نبارك في الصّعودِ الحُرِّ إيقاع الطبولِ
ولا نُغَيَّبُ في المَتاهةِ..
“جَتُّ ” تنسجُ للمدى خيطَ القَصيدةِ
لوعةَ التأويلِ في نَصّ الجبالِ
فيستحيلُ النورُ أغنيةً
و ” جَتُّ ” فَتِيّةُ القَسَماتِ
والشُّرُفاتِ ،
أرْضَعَتِ الصُّخورَ جَلالةَ المعنى
ومَوْفورَ الكرامةِ
” جَتُّ ” إنْ غَفَتِ القُرى
تبقى صهيلَ الخيلِ في الآجامِ
تقتَحِمُ الأسى وتَسيرُ فوقَ الشّوكِ
كي تأوي لذاكِرَةِ النّخيلِ
فهلْ تَدُّلَّ السّهلَ – مُنْتَفِضاً –
على خزّانِها المَوْقوتِ في رَحْمِ الولادةِ ؟
” جَتُّ ” شاهِقةُ النّدى
موّالُنا القُدْسيُّ يُزْهِرُ في مَصاطِبِها
فهلْ ضَلّتْ مَرافئَها المَراكِبُ
ما بَرَحْتَ تُطِلُّ مثلَ فَراشَةِ الحُلْم النّديم
تعيدُ للغاباتِ بَرْزَخَها
وأَوْرِدَةَ الغناءِ
هل انتبهت للونِها المَطَرِيِّ
خلفَ البابِ حِنْطَتُنا تُجاهِرُ بالنّزاهةِ
تستجيبُ لرغبةِ الأزهارِ
تخبركَ الموانئُ عن حصانَتِها
كأنّكَ في هُبوبِ الغيم تولدُ
صرتَ فَصْلاً من حوارِ البحرِ
فاحْفَظْ مَوْجَهُ
لا يُخطئُ الشّهداءُ وُجْهَتَهُمْ
فصَوّبْ نَقْشَ حَرفِكَ للثَّرى
سنكونُ كالأشجارِ تمتدّ الجذور بنا إلى الأعماقِ
تنبئُ عن ندى الكلماتِ
من سيكونُ بالمرصادِ ؟
قد نهبَ اللصوصُ البيتَ / خابِيَةَ الأَرُزِّ/ القمحَ
والزيتَ المُوَشّى في الجِرارِ /
وأحْرَقوا كلّ الأثاثِ
وأعْدَموا صُوَراً على صدرِ الجدارِ
فهل تؤذّنُ في القِبابِ
ليملأَ الطّلعُ السُّهوبَ ؟
بأيّ ذنبٍ تنهشُ الغربانُ صَدْرَكَ ؟
” جَتُّ ” تُبحرُ في رحابِكَ
ترفُدُ الشّريانَ بالأنفاسِ
تَسمو في المباهجِ ،
ما تَراجَعَتِ الخُطى
أبداً تقودُكَ للأمامِ /
لَطالَما قاوَمْتَ مَوْثوقَ اليَدَيْنِ
فلم تَنَلْ منكَ السّلاسِلْ ..
فاصرَخْ بِصَوْتكَ
يَستجيبُ لصَوْتِكَ الهَدّار ِ
فَلاحٌ وعامِلْ ..
سَقَطَ القناعُ عن الجَريمةِ
واكتوى بالنارِ دائِمةِ اللّظى
لِصٌّ ومُحْتالٌ وقاتِلْ ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى