“رشّة” عواطف العامري الشعريّة

عبد الرزّاق الربيعي | مسقط

كتاب “رشة عواطف” للشاعرة عواطف العامرية يقع في 148 صفحة من القطع الصغير من مطبوعات دار الغشام تجدونه في ركنها بمعرض مسقط الدولي للكتاب، ويشتمل على العديد من النصوص الشعرية تحمل في مضامينها مشاعر الأنوثة والحب والجمال، مثل (رجوع) و(رشّة عواطف) و(روح حرّة) و(حبّ أمي) و(سلام الله) و(فزّة خاطر) و(ضاعت أحلامي) و(عتب وبوح) و(طيف مخملي) و(سكّر عيونك) و(فتيل) وغيرها الكثير.

هنا نحاول تقديم قراءة نقدية واعية لنصوص عواطف العامري ليقف القاريء على سمات نصها الشعري ويستقي من كلماتها كل ما هو ثري ويشتم من عباراتها عبق القصيد، ويستضيء بروح الوجدان وهذا يعود بنا إلى المقولة الشهيرة للشاعر نزار قباني: “قرأت كتاب الأنوثة حرفاً حرفاً ولا زلت أجهل ماذا يدور برأس النساء” فإنه وضع اصبعه على مسألة غير خافية على الكثيرين، فكتاب المرأة مليء بالألغاز التي استعصت حتى على شاعر  “فصّل من جلد النساء عباءة” كنزار قباني، ولو احتكمنا الى كتابات المرأة، لنعرف شيئا عن عوالمها الذاتية، فلن نصل الى نتيجة أيضا، لأن المرأة، خصوصا في المجتمعات المحافظة، تتجنّب الإفصاح عن مشاعرها، وهكذا اختفى صوت الأنثى في كتاباتها إلّا ما ندر، فلم نعد نرى صوتا شعريّا يذكّرنا بولّادة بنت المستكفي وقولها:

أنا والله أصلح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيها

أمكّن عاشقي من صحن خدّي

وأعطي قبلتي من يشتهيها

‎واليوم مع انتشار موجات التشدّد، والانغلاق، في مجتمعات محافظة، يبدو هذا أكثر وضوحا، فالكثير من الشاعرات، يتجنبن التوغّل في أغوار الذات، مستعيضات عن ذلك بالكتابة عن المحيط الخارجي، والعلاقة به، وهناك من يعمدن إلى تمترس خلجات الذات تحت طبقات الألفاظ، ومظلّات المجاز، للتعمية، وترك مساحة شرود،  مع تقديرنا لتجارب شعريّة نسوية كسرت هذه التابوهات، وأثبتت جدارة، لكنّ بعضها احتفظ بنصوصه في الأدراج، أو النشر بأسماء مستعارة!

‎لذا حين قرأت  نصوص الشاعرة عواطف العامري لفت نظري هذا التدفق العفوي لأحاسيس الأنثى، فهي تترك مشاعرها تنساب على الورق دون تدخّل، وتؤكّد أنها تكتب استجابة لرغبة ذاتية غامضة، وتدوّن ما يمليه إحساسها لن تتوقّف عن الكتابة إلّا بعد أن تشعر أنّها سكبت على الورق أحاسيسها كلّها!، فهي أقرب ما تكون مكتوبة بوحي الفطرة، والموهبة فقط، ولا يوجد تصنّع، ولا تزويقات لفظيّة، فهي تشبه النصوص غير الموقّعة التي يقولها أشخاص لم يسمعوا بكتاب” فن الشعر” لارسطو طاليس، ولم يقرأوا “الشعر والتجربة” لأرشيبالد مكليش، ولم يحفظوا بيتا واحدا من المعلقات السبع، ولم يزنوا القول بـ”ميزان الذهب” !

‎واعتادت تتركها كما جاءت في ” النزلة” الأولى، بعفويتها، وكسوراتها، وزياداتها، دون مراجعة، وتشذيب، وقد تنساها، وتضيع بين أوراقها! فهي لا تكتب على منوال نص اطلعت عليه، أو سمعته، لذا لا نجد أصوات الآخرين في نصوصها، كذلك لفتت نظري غنائيّتها، فنصوصها مناسبة للغناء، والسماع، ولو وقعت بين يدي الملحنين لوجدوا فيها الكثير مما يصلح للغناء بوقت افتقرت الأغنية إلى الكلام الجميل، الذي يمكث في ذاكرة السامع، كما كانت!

‎وعواطف العامري التي تعرّف نفسها في صفحتها بـ” تويتر” بأنها” شويعرة “، تجيد البوح عبر “بعض من شخابيط الملامح” تؤسطرها، في جبين الورق بعضها واقع، والبعض الآخر يجوب في مخيلتها لا أكثر” تريد أن تقول أنّها بعيدة عن الادعاءات، فلا تصنّف نفسها “شاعرة”، رغم أنّها “تتنفّس الشعر” كما أشارت !، ولا تفعل على الورق سوى البوح، الذي من خلال تدوينه على الورق على هيئة” شخابيط” تلبّي من خلالها رغبة ذاتية ملحّة، لذا تنتهي عند ذلك مهمّتها، غير معنيّة بنشره، وجمعه في ديوان مطبوع!

‎وجاء نصّها الفصيح “تقاسيم أنثويّة” الذي هو” إهداء أو ما يشبه ذلك” كما يشير العنوان الثانوي، ليكون أشبه بالمقدّمة، أو البيان، أو قصيدة نثر تنحاز به لصوت الأنثى، فتقول بكلّ جرأة، وثقة، وحضور ذات:

أنا عواطف العامري

أقف أمامكم

وبكلّ هدوء

أرشّ عواطفي

على طريق

كلّ أنثى ترسم شعاع الشمس

في وسط العتمة

وتوقظ أجراس الوله

في عيون الشاردين

تتنفس العطاء

وتنثر في جنبات الطرق

زهر البنفسج والياسمين

‎فالعاطفة التي وجدت نفسها محكومة بها بفعل الاسم، شكّلت القاسم المشترك الأعظم لنصوص هذا الديوان، فتماهت في اسمها، وجعلت اسمها مضافا لمفردة “رشّة” في العتبة الأولى من ديوانها، ناصحة بنات جنسها بـعدم “استثمار كلّ مدخراتهن في بنك العواطف” كما توصي الكاتبة أحلام مستغانمي، المقولة التي استهلّت بها، إلى جانب مقولة أخرى لسلطان العاشقين جلال الدين الرومي، ديوانها الذي وضعته بين يدي القارئ تاركة الحكم له، وهو يتصفّح أوراقه، منتعشا بـ”رشّة” شعرية في خطوة أولى في طريق طوي.

ومن نصوص الديوان نقرأ من البدايات الإهداء حيث تقول:

تقاسيم أنثوية (إهداء أو ما شابه ذلك)

أنا عواطف العامرية

أقف أمامكم

على طرف الجزيرة الأقصى

ليس بيديّ سوى باقة كلمات

لا تنحني..

تشاكس

لا تعرف الخضوع

لا تتردّد.. تواصل الطريق بلا ملل..

تمشى وكلّها ثقه بأنّها ستصل ..

وتفرح

وتراقص النجاح..

أنثى مخملية اللون

 فريدة الطباع 

لن تستسلم..

تصارع الظروف..

الطفولة بعينها، والتمرّد، تجمع في عينيها محيطات السواحل

 والجمال والأمل..

الجنون، والبرود، والصمت، من الجمر والنار التي لا تختزل..

الشرقية بكينونتها وأصلها وفصلها

عواطف المعنى والاسم..

ولن يجرؤ على قطفي من حلم!

أنا عواطف العامرية

أقف أمامكم

وبكلّ هدوء

أرشّ عواطفي

على طريق

كلّ أنثى ترسم شعاع الشمس

 في وسط العتمة

 وتوقظ أجراس الوله

 في عيون الشاردين

تتنفس العطاء

وتنثر في جنبات الطرق

زهر البنفسج والياسمين

لا تذبل

 كجمال الشروق

ونور أمله المفعم

تتقن الأمومة

وتعيشها من أول لحظاتها

 إلى اخر رمق بخيوطها

تجذب كلّ شيء نحوها

 بمجرد النظر إليه

هي الحياة بشكلها الجميل فقط

أنثى تفي ..

 وتصدّ موجات البحر العاتمة

في الحب بكل أريحية

لاتشبه سوى الربيع

والخريف

وشتاء العاشقين

***

ومن نصوص المتن نقرأ لها

رجوع

يامشاعر لعبت بقلبي فتيله

انهزمتي

 وانطفى نورك ورحتي

رجعيني .. ارجعيلي..

**

ضعفك ترك فيني الخذيلة

ارحلي من ضلوعي

وسربيني

سرقيني..واسرقيني

والعبي بدورك أحساس الرهينة

جردي شعوري

 واحبسيني

حاكميني.. احكميني

سمعيني كيف يآسرني حنينة

احرقي صدري

 وثلجيني

بعثريني.. وانثريني

علميني كيف افرح بانتصاره

اطلقيني في سماك

 ووسعيني

عظميني.. اعظميني

برمجيني بين حسك والصدارة

ثبتيني

 وارجعي فيني وبيني

وارجعيلي .. ورجعيني

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى