المسامح كريم

سجى مشعل | فلسطين

ماذا سيجري لِحُرمة المُسامحة إن تمّت مُقايضتها، بمعنى أن تُسامحني لأسامحك، وأن ننسى ما قدّ مرّ على قلبينا كلّ تلك المدّة، هل يفهم أيّ كائن طينيّ مُكوّن من وهن على وهن بأنّ التّسامح يحتاج جهدا كبيرا، وطاقة بالغة لا يمتلكها كثير منّا، ولكن في المقابل هذه الطّاقة تستحق، لأنّك حينما تسامح فأنت لا تخسر بل تكسب، نعم، تكسب الكثير من الأمور منها راحة بالك، وتفطن إلى نفسك أكثر، وتهتمّ بما تريد الوصول إليه وترغب به في حياتك، دون الحاجة للتّفكير بالإنتقام أو القَصاص، فلو كانت المُسامحة أمرا هيّنا فلِم سيجعل إله الكون للذين يعفون ويغفرون مكانة كبيرة عنده، ويُقسم بهم؟، “والعافين عن النّاس”، فلو كانت عندي مقدرة لأسامح سأفعل، ولا ضير من أن يفعل ذلك الطّرف المُقابل أيضا، ليس لأنّ أيّا منّا يستحق العفو والتّغاضي من الآخر، بل لأنّنا نحتاج أن تحظى نفوسنا ببعض من الرّاحة وهناء البال.

فلو ظلّ كلّ طرف على حدة كارها للآخر، مُجافيا، مُبتعدا، ومُفكّرا كثيرا بالإنتقام فأيّ راحة تلك التي سيجنيها؟، صدّقني بأنّك لو فتحت صفحة جديدة معي لن أُغلق الكتاب أبدا، وبأنّ الأيّام التي كانت بيننا هي ذكريات تستحق جهد التّناسي، وبأنّ الملح القديم الذي كانَ في يوم ما يجمعنا على الطّاولة ذاتها، لا بدّ من أن يكون محفوفا بأشياءَ جميلةٍ، ولحظاتٍ كانت بالنّسبة لنا حياة فوق الحياة، وعليك في ذات الوقت أن تصدّق بأنّ نيّتي لم تكن في يوم سبق أو آخر هو في طريقه إلينا هي الأذيّة، لم تكن الأذيّة في بالي قطّ، لكنّ عدم قدرتي على إحتمال الأذى والإغتراب هو ما دفعني لأُسيء إليك، كما أنت فعلت معي، فالإساءة وجه متبادل في كلّ أطراف الكلام السّابق، حسنا، فأنا لا أُجيد كثيرا مهارة الإعتذار أو حتى مهارة المُبادرة، لكنّي أستطيع أن أخبرك بشيء واحد، ألا وهو بأنّ المرء منّا نسّايٌ وخطّاء، ومهما بلغت ذنوبه عنان السّماء فإنّ ربّا كريما يصفح ويغفر، وفي المقابل فمَن نحن كي لا نغفر، مَن نحن وبصفتنا بشرٌ ضعفاء كي لا نصفح، أو نتغاضى؟، لا أرغب أن نكون خصمين في يوم ما، ولم أرغب حقّا في أن نكون ندّين في العداوة، وهذه رسالتي الأخيرة، ولأنّي أؤمن جيّدا بأنّ “خيرهما مَن يبدأ بالسّلام” أبعث هذا الكلام، فماذا سيحدث لحُرمة التّسامح إن تمّت مُقايضتها بيننا؟، بطبيعة الحال “كلّ خير”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى