صراع الهوية والانتماء
د. يحيى عبد الله | أكاديمي – موريتانيا
عاش المسلمون برهة من الزمن في وئام وسلام تامين تحملهما ت جيهات القرآن الكريم والسنة النبوية محاول الخير متجهين نحو هدف أسمى ومقصد أكمل متمين بذلك أدق تفاصيل الدين ليتمه الله عليه بنعة الاكتمال له.
وفي ظل هذا الانسجام والتفاهم لم تخفت دعوات الخلاف والتخالف دق بين الفينة والأخرى ليسجله الفرآن محذرا من التنازع خوفا من وقوع في فشل ذريع يفسد المسيرة والألفة القائمة في النفوس ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. ويقرر القرآن مبدأ إنسانيا حضاريا آخر وهو مبدأ تعدد الآراء واختلاف مشاربها كما هو حال الناس في ألوانهم وثقافاتهم التي ينحدرون من أصلها قال تعالى: “ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم” كما في اختلاف ألسنتهم وألوانهم.
ظلت حالة الانسجام تلك عصية على الفتك أمام عواصف الخلافات اللاحقة في ميادين الحكم والسياسة والمواقف المتجددة بما يتطلبه تفاعل الأحداث الكبيرة واتخاذ مواقف منها إلا أن ذلك الخلاف الطارئ كله لم يمنع من تحديد بوصلة الهوية الإسلامية وتوحيد توجيهها رغم ما جد من جديد لأن المشرب واحد والغاية متوحدة لدى كل طيف.
في حين من الزمان تفارقت المشارب وتنازعت المسميات لتصل إلى فرق متنازعة مختلفة الأهداف والغايات فأصبح الكل يكيل بمكيالين لغرينه لينحدر نور الوحدة إلى قاع الصراع المقيت فتتمزرق المشارب ويتم تسويغ كل رأي على أنه الصواب المطلق مهما اعتراه من عوار فأصبح بلسان المقال والحال معا الخارجي مارقا والصوفي متخلفا والسلفي ظلاميا والشيعي طائفيا إلى غير ذلك مما ولده صراع الهوية التي يدعي كل وصله بليلىها المنهكة بداء تنازع الهويات المتعددة المتناحرة.
لنصل إلى هذه الوضعية المزرية ليصبح الإسلام أسيرا لأديولوجيا من لم يكن معي فيها أصب عليه جام مصطلحات وليدة بيأتها الزمانية والمكانية التي قد لا يوجد لها أثر في عصرنا غير انتماء الهويات المنقطع التصور الإسلامي الصحيح لارتباطه بخلاف متفرع عن أصل الإسلام الصحيح الذي عاشته الجماعة الإسلامية الأولى.
إن التحرر من هذا الواقع الآسر هو بداية المنطلق لبناء مجتمع مسلم متجانس يعيش على أصوله الحضارية والثقافية انتماء وهوية.