رحلة بين دفتي رواية جديدة (رواية اغتراب ومتعة الوصول إلى الحقيقة)

 

بقلم: عبد السلام العابد/فلسطين

عن منشورات دار السكرية للطباعة والنشر والتوزيع ، في القاهرة، صدرت عام ألفين وعشرين رواية اغتراب للكاتب أسامة مغربي.
تقع الرواية في مئتين وأربع وثلاثين صفحة ،وتضم أربعة فصول ، الأول منها يتحدث عن هجرة الشاب سعيد إلى أمريكا ، وعلاقاته هناك ، وتكليفه بكتابة تقرير صحفي عن الأوضاع في فلسطين ، وعودته الى الوطن والأسرة، والبدء بعملية البحث والاستقصاء . وفي الفصل الثاني يزور أحد المخيمات الفلسطينية ،ويتعرف على ظروف المخيمات وواقعها، والظواهر الإيجابية والسلبية فيها ، والشرائح الاجتماعية المتنوعة ،الأطفال والشباب والرجال والنساء والعجائز .وفي الفصل الثالث ينتقل إلى مدينة رام الله ، ويعيش تجارب عديدة، مع غسان المطارد من الاحتلال، ويخوض حوارات وأحاديث وحكايات جميلة ، عن المدينة، قديما وحديثا، مع المدرس المتقاعد، والشباب الموظفين في المؤسسات الرسمية والأهلية ، والأهالي والمواطنين .وفي الفصل الرابع يزور القدس،ويتجول في شوارعها وحاراتها ،ومسجدها وقبتها،و يعاين ما تتعرض له القدس من اعتداءات احتلالية متنوعة، ويواصل زيارته إلى يافا ، وهناك يتمكن بطل الرواية من إيجاد حلول لحبكة الرواية المعقدة ، ويعود إلى القدس ، ومن ثم إلى قريته في محافظة رام الله، و يصل إلى أريحا ثانية ، في طريق العودة إلى الولايات المتحدة من جديد، ولكن بعد أن حقق انتصارا ، وأعاد الحق إلى نصابه ، بروح جديدة، ونفسية مفعمة بالانتماء لهويته الفلسطينية ، رغم صعوبة المأساة التي عاشها .
وإذا كان الكاتب أسامة المغربي، قد أبرز تجليات الانتفاضة الأولى، في روايته السابقة العناب المر ، فإن هذه الرواية الجديدة ركزت على ظاهرة سلبية تمثلت في قتل الأشخاص، بحجة أنهم عملاء ومتعاونون، دون أن تكون هنالك إثباتات ودلائل وبراهين ساطعة، الأمر الذي يتسبب في وقوع ضحايا أبرياء، لا ذنب لهم ولا لعائلاتهم التي عانت من الألم والحزن ،و الغربة والوحشة وقسوة الظلم وغياب العدالة، وإساءة المجتمع لهم .
بطل القصة سعيد ترك الوطن، هاربا من أحاديث الناس وإدّعاءاتهم الكاذبة، عن أبيه الذي تم قتله بقسوة ، دون أن يشعر بانتماء حقيقي لهذا الوطن ، وتابع دراسته في مجال الصحافة والإعلام، وغاب سبع سنوات طوال، ولكن جرح نفسه ظل مفتوحا، فقد كان مقتنعا أن أباه قتل ظلما ، لأنه كان يحب وطنه والناس.
وبتحفيز ذاتي منه، وتشجيع من صديقته الأمريكية جين، والبريفسور الجامعي أحمد جاسم العراقي، يتمكن من الحصول على منحة صحفية ممولة من الجالية العربية ؛ ليكتب تقارير صحفية عن فلسطين ومعاناتها من الأعماق، ومن واقع الناس العاديين الذين يعيشون فيها ، ومن ضمنهم موضوع أبيه الذي تم قتله ظلما وبهتانا وزورا .
يعود المغترب سعيد إلى قريته وأسرته الحزينة والمجروحة، فيجد أمه قد هرمت وأعياها المرض، وأخته قد تزوجت وأنجبت طفلا، لأب مسجون في سجون الاحتلال لمدة طويلة، بالإضافة إلى أخيه عادل الذي تم تعيينه معلما في قرية مجاورة .
بعد السلام والاطمئنان على سلامة أمه وأسرته ، يزور قبر أبيه، ويقرأ الفاتحة على روحه ، مؤكدا أن هنالك قلوبا ما زالت تحبه ، وستعيد له حقه و احترامه ومحبته وتقديره .يتعرف سعيد على عساف الذي نفذ حكم الإعدام الظالم لأبيه ، ويحدثه عن ظروف إعدامه والشبهات التي كانت تدور حوله، والتقارير التي وصلت عن بيع أراض للغرباء ، غير أنه ينفي عنه التهم اللاأخلاقية، ويبحث سعيد عن الأشخاص الذين شاركوا في تلفيق الاتهامات الظالمة ، حيث تثبت في النهاية براءة أبيه الواضحة ، فيشعر سعيد بالفرحة ويعود إلى أسرته مسرورا؛ليزف لهم خبر براءة رب الأسرة، حيث تعلم البلدة كلها بحيثيات قضية الأب المغدور ، ويتم الإعلان عن ذلك عبر شاشة كبيرة يراها الناس جميعا بالصوت والصورة ، ويُقام بيت عزاء كبير للشهيد ، وتستقبل الأسرة المعزين ، ويقدم المواطنون والمسؤولون أسفهم وحزنهم واعتذارهم، عما صدر عنهم من أقوال وأفعال غير مقصودة، بحق الأب المغدور .
ويعود المغترب سعيد ، لإتمام دراسته العلمية العليا، وقد ارتفعت معنوياته، وظهرت عواطفه الوطنية الجياشة، المليئة بالحب والاعتزاز والانتماء .
يكشف أسامة المغربي، من خلال كتاباته ، ومتابعتي لما يكتب من مخطوطات عن موهبة أدبية روائية واضحة تتسم يالجدية والوعي الوطني العميق ، فهو يكتب عن مواضيع عايش أحداثها، وسمع عنها، وشارك فيها ، وعرف أبعادها ، سواء من خلال الفعل الوطني، وما تخلله من ملاحقة ومطاردة ، أو من خلال سنوات الاعتقال الطويلة التي سمع فيها ألوانا من القصص والحكايات التي يسردها المعتقلون في لحظات تجل وهدوء .
رواية اغتراب تتسم بمجموعة من السمات الفنية التي تميزها ، ومن بينها : القدرة على شد القارىء ومتابعة أحداثها المتسلسلة، وعقد الحوارات بين الشخصيات القصصية، وتصوير ملامحها ، والبراعة في رسم لحظات التخفي ، وتصوير الظروف النفسية التي يعيش فيها المطاردون، واستخدام رموز التراث الشعبي ، والكشف عن معادن الشخصيات التي يتحدث عنها ، وإبراز طيبتها، وقيمها الإنسانية والأخلاقية العالية من أمثال: جاسر، والعدوي، ورائد ، وجين و أحمد جاسم العراقي، والمعلم المتقاعد، وأبي صالح ….
ثمة قضايا وطنية كثيرة ، تثيرها رواية اغتراب ، وتركز عليها، وفي مقدمتها قضية القتل الظالم ،وتصوير بشاعة هذه الجريمة ، وأثرها السلبي الكبير على الضحايا وأهاليهم ومحبيهم، ويركز الكاتب على ضرورة مغادرة حالة الحزن والعجز ،والمبادرة إلى دراسة المشكلة،وتشخيصها ومعالجتها ، لأن الوطن وأبناءه يستحقون المحبة والبذل والعطاء والانتماء؛ شريطة أن تتحقق أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أمام الجميع.

إغتراب رواية شائقة وجميلة وتستحق القراءة أكثر من مرة ..لقد قرأتها مرتين : الأولى عندما كانت مخطوطة ، والثانية حينما نشرها أسامة في كتاب، وهي تعتبر مرآة لمعاناة الناس وهمومهم وأحلامهم في وطن محرر وخال من الأحقاد ، وجاذب للعقول والأفئدة ، ويُحترم فيه الإنسان، ويتم تقديره ، وطن لا تطفو على سطحه الظواهر السلبية المتمثلة في الابتعاد عن الهوية الوطنية والأصالة ، وعدم الاعتماد على إنتاج الأرض، والعقول والأيدي الفلسطينية المبدعة ،و الشللية والمناطقية و فوضى السلاح والفلتان بكافة أشكاله ، واستغلال النفوذ ، والاستبداد، والانتهازية والفساد ، والثراء الفاحش ،وعدم الاهتمام الكافي بالقضايا الوطنية الأساسية الكبرى المتمثلة في الحفاظ على الأرض الفلسطينية من المصادرة و الاستيطان، وتثبيت المواطنين في أرضهم، عبر إقامة المشاريع الإنتاجية الكبيرة، لاستيعاب الخريجين ، وإيجاد أماكن عمل مناسبة لهم ، والاهتمام بالقدس و بقضايا الأسرى، وضرورة الإفراج عنهم ، ونبذ الفرقة والخصام التشرذم والانقسام ، لمواجهة الخصم اللدود المشترك ، و تحقيق الوحدة الحقيقية بين أبناء الشعب الواحد ؛ لإنجاز الأهداف الوطنية الكبيرة التي نطمح لتجسيدها على أرض الواقع.

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى