هارون هاشم رشيد و إيجابية الخطابية
زيد الطهراوي | المملكة الأردنية الهاشمية
يرحل الشاعر هارون هاشم رشيد عن هذه الدنيا تاركاً رصيداً ضخماً من الشعر المدافع عن قضية فلسطين الأسيرة
و الشاعر الفلسطيني المبدع الذي ترك غزة في شبابه لم يترك الحديث عن الآلام الجسيمة التي ألمت بشعب عانى و ما زال يعاني من الاحتلال اليهودي الغاشم ففي دواوينه الكثيرة تكلم الشاعر عن كل شيء فكانت قصائده ينابيع للباحثين و تحفيزاً للمقاومين الصامدين وتذكرة لأبناء اللاجئين
هارون هاشم رشيد شاعر فلسطيني ولد في غزة و رحل إلى مصر وتونس فعايش حياة شعبه في الاحتلال البغيض و عايشها في الشتات المرير
ومن هنا طافت على شعره مفردات البؤس والمعاناة و الشقاء فكانت أشعاره سجِلَّاً ضخماً يجد الباحث فيه مفردات تختص بتجربة الشاعر الذي طال عمره فعاصر النكبتين
قال شاعرنا :
«أخي مهما ادلهم الليل/ سوف نطالع الفجرا / ومهما هدنا الفقر/ غدا سنحطم الفقرا/ أخي والخيمة السوداء/ قد أمست لنا قبرا/ غدا سنحيلها روضا/ ونبني فوقها قصرا/ غدا يوم انطلاق الشعب/ يوم الوثبة الكبرى/ فلسطين التي ذهبت/ سترجع مرة أخرى»،
الليل والفجر والفقر والخيمة السوداء والقبر والشعب وغيرها من المفردات الصريحة هي قاموس الشاعر الذي سيصاحبه حتى مماته و سيضيف إليه مفردات أخرى تتحمل عبء تسليط الضوء على كفاح الشعب الأعزل.
لقد اختلف شعراء الأرض المحتلة في شكل الكتابة الشعرية و مفرداتها فتجد شاعراً مجيداً هو حنا أبو حنا و هو الذي قضى عمره في التعليم يكتب الشعر و كأنه دروس تُلقى على طلابه فتأتي هذه الأشعار واضحة و ذكر حبيب قهوجي أنهم كانوا يصرون على الاهتمام بهذا النوع من الشعر لأنهم يريدون شعراً نافذاً سريع الانتشار يتناقله الكبير و الصغير والقريب والبعيد فيُحمِّسهم لينطلقوا بعدها في طريق تحرير الأرض و الإنسان و سار على هذا النهج الشاعر توفيق زيّاد فكان شعره خالياً من المفردات الصعبة و قريباً من الجميع.
أما سميح القاسم فقد اختار الجمالية والوضوح فاستخدم رمزية متشبثة بالشعب لا تحيد عما يفهمه و يردِّده في حلِّه و ترحاله.
وخالف محمود درويش الجميع فسلك طريقاً وعراً من الرموز الثقيلة ومضى يدرِّب جمهوره على فهمها مستهلكاً الأيام والشهور و الأعوام.
فهل نجح درويش في هذا ؟ نعم نجح إلى حد بعيد.
و لكن عند من ؟ عند من استعد أن يبحث في كتب النقاد عن معنى رموز درويش و أساطيره.
أما عامة الشعب فقد وقفوا حائرين أمام هذا الغموض و لهذا كان نجاحه نجاحاً جزئياً أو أنه نجاح يتوقف على همَّة الشعب في البحث والتنقيب
هارون هاشم رشيد وحنا أبو حنا وتوفيق زيّاد اختصروا المسافة على شعب فلسطين وعلى الشعب العربي فهل نجحوا في مخططهم في جعل قصائدهم على كل لسان؟
نعم نجحوا و الدليل هو تفاعل الكثيرين معها و هو الدليل الواضح على فهمها و التأثر بها
هذا هو سبب تمسك شاعرنا هارون بالخطابية والمباشرة
إنه يريد لشعره أن يجري مجرى النفس و أن ينتشر انتشار الأريج و أن يتحول إلى نشيد يتداوله الفلاحون و يطلقه الأطفال و هم يلعبون.
وامتزج الشاعر مع الشعب المناضل ولأنه مثلهم لاجئ فقد ذاق ما ذاقوه و ألف قصيدته عن ليلى وهي ليست ليلى الشهيرة في كتب الشعر الغزلي بل هي رمز لكل فتاة عاشت مع أهلها في الخيام بعد أن كان لها بيت فسألت أباها: لماذا نحن غرباء هنا يا أبي ؟ فسمع الشاعر هذا الحوار فأثار في نفسه الشجن فألف القصيدة التي تتحدث عن ليلى و هو تحت المطر حيث البرد و العاطفة الحزينة
يقول الشاعر في قصيدة لماذا نحن أغراب؟:
أتت ليلى لوالدها وفي أحداقها ألم
وفي أحشائها نارٌ من الأشواق تضطرم
وقد غامت بعينيها طيوف هزها سقم
وقد نام البهيج أسى فلا صوت ولا نغم
أتت ليلى لوالدها وقد أهوى به الهرم
وقالت وهي من لهف بها الآلام تحتدم
لماذا نحن يا أبتي لماذا نحن أغراب
أليس لنا بهذا الكون أصحاب وأحباب
أليس لنا أخلاء أليس أحباء
لماذا نحن يا أبتي لماذا نحن أغراب؟
و انتشرت القصيدة في العالم الحي وعرف الجميع أن مأساة الطفلة الفلسطينية لا يمكن أن تختبئ تحت رماد الرموز و أنها بحاجة إلى أن تتغلغل في حياة الناس و ضمائرهم.