فيلم وكتاب: اسم الوردة لأمبرتو إيكو
Maison AbulHab
(عزيزي القارئ.. رابط الفيلم في نهاية المقالة)
“أنا فيلسوف أكتب روايات” بهذه الكلمات وصف أمبرتو إيكو نفسه في أحد الأيام، وهو الباحث والفيلسوف والمفكر والروائي والناقد الأدبي الذي عُرِف بدراساته الخاصة بعلم الجماليات والسيميولوجيا أو السيميائية وهو علم يُعنى بدراسة العلامات والأدلة والرموز.
درس إيكو فلسفة القرون الوسطى وآدابها في جامعة تورينو وعمل محررا ثقافيا في التلفزيون الإيطالي وكان يكتب عمودا أسبوعيا عن الثقافة الشعبية والسياسة في مجلة لسبريسو وهي من المجلات الرئيسية في إيطاليا، ثم أصبح محاضرا في جامعة تورينو ثم أول أستاذ سيميائية في أقدم جامعات أوروبا وهي جامعة بولونيا اعتبارا من عام 1971.
ولد أمبرتو إيكو في شمال إيطاليا في عام 1932 وكان والده محاسبا شارك في ثلاث حروب خلال حياته فيما كانت أمه موظفة في شركة المعادن حيث كان يعمل والده. أمضى طفولته وساعات طويلة كل يوم في قبو منزل جده حيث كان يقرأ كتب جول فيرن وماركو بولو وتشارلز دارون وغيرها. ومما يُذكر عنه أنه ارتدى زيا فاشيا في عهد دكتاتور إيطاليا موسوليني وحصل على الجائزة الأولى في مسابقة للكتاب الفاشست الصغار. وبعد الحرب الثانية انضم إلى منظمة الشباب الكاثوليك وأصبح زعيمها لحين استقالته في 1954 خلال احتجاجات على سياسات البابا بيوس الثاني عشر المحافظة.
درس الفلسفة وحصل على شهادته فيها في عام 1954 وبعد عامين نشر أول كتبه عن “المشكلة الجمالية لدى سان توماسو” ثم واصل نشر دراسات وبحوث عديدة واشتهر كمفكر وفيلسوف متخصص في العصر الوسيط. وتناول في أحد كتبه الكيفية التي غيرت بها المعتقدات الكاذبة التاريخ وعنوانه “الصدف: اللغة والجنون” وهي مجموعة مقالات.
من أقواله أن لكل كتاب نوعين من القراء، أحدهما مباشر يشرح الوقائع والآخر يدرس النص ويلتقط جماليته ويستخلص منه العبر ويدور في فلك أبعد من النص والكلمات نفسها. وهذا القاريء يبحث عن معاني خفية في النص تكشف عما لم يقله الكاتب.
ألف إيكو مجموعة كبيرة من الكتب وكان يسعى إلى تفسير الثقافات من خلال رموزها والإشارات والدلالات التي تستخدمها مثل الكلمات والأيقونات والعلامات والملابس والنغمات الموسيقية وحتى أفلام الكارتون التي تنتجها وقد نشر أكثر من عشرين كتابا علميا عن هذه المواضيع.
كان إيكو عميق الثقافة واسع المعارف وكان قادرا على إلقاء محاضرات بخمس لغات حديثة إضافة إلى اللاتينية والإغريقية الكلاسيكية.
إيكو الروائي
بدلا من الفصل بين تخصصه الأكاديمي وإبداعات الخيال دمج إيكو بين الإثنين ونشر أولى رواياته “إسم الوردة” في عام 1980 وتوقع الناشر ألا تباع منها أكثر من 30 ألف نسخة ولكنها لاقت نجاحا كبيرا وبيع منها أكثر من 10 ملايين نسخة وترجمت إلى أكثر من 40 لغة ثم تحولت إلى فيلم من إخراج جون جاك آنو وبطولة شون كونري في عام 1986 ولكن الفيلم قوبل بنوع من الفتور.
تدور أحداث الرواية في القرن الرابع عشر في دير إيطالي معزول حيث تقع جرائم قتل غامضة ثم يصل رجل دين إلى المكان بصحبة شاب متمرن لحل لغز الجرائم فيلقى معارضة من مسؤولي الدير. خصص إيكو فصلا كاملا في الرواية لمناقشة اللاهوت المسيحي والزندقة مع تشكيك بكل شيء كما عكس في الرواية تأثره بالكاتب الأرجنتيني خورخيه لوي بورخس الذي تحدث في إحدى قصصه عن مكتبة قديمة. فأسمى إيكو الشرير في رواية اسم الوردة خورخيه دي بورخس ووصفه بأنه أمين المكتبة الأعمى.
وفي 1988، أي بعد عامين فقط نشر إيكو رواية أخرى هي “بندول فوكو” الذي اخترعه عالم الفيزياء الفرنسي ليون فوكو في القرن التاسع عشر لإثبات دوران الأرض. والرواية عن ثلاثة محررين يعملون في دار نشر صغيرة في ميلانو لفقوا نظرية مؤامرة مفادها بأن فرسان المعبد وضعوا خطة لجمع كل الطاقة في العالم. وخلق المحررون شبكة من الروابط بين الفرسان وشخصيات أخرى عديدة بالاستعانة بالكومبيوتر وقاموا خلال ذلك بإعادة تفسير التاريخ كله. وفي النهاية بدأ المحررون يؤمنون بما اخترعوه ليتحولوا إلى ضحايا لمؤامرتهم نفسها. لاقى هذا الكتاب نجاحا أيضا ولكن آراء النقاد كانت متفاوتة.
وفي 1994 نشر “جزيرة اليوم السابق” وتدور أحداثها في القرن السابع عشر وفيها شخصية رئيسية تبدو مهووسة بماضيها وبمغامراتها السابقة في البحر.
وفي عام 2000 نشر “بودولينو” عن فارس يحمل الإسم نفسه ينقذ مؤرخا ويروي قصة حياة فيها الكثير من المبالغات حتى أن القاريء والمؤرخ لا يعرفان كم نسبة الحقيقة في ما يروي.
وفي 2005 نشر “الشعلة الخفية للملكة لوانا” وبطلها بائع كتب يعاني من تدهور في الذاكرة. ثم في 2010 نشر روايته السادسة “مقبرة براغ” عن أحداث تاريخية تتعلق بنظرية بروتوكولات حكماء صهيون. ثم في عام 2015 نشر “العدد صفر” وبطلها صحفي.
توفي إيكو بعد صدور روايته الأخيرة بفترة قصيرة عن 84 عاما ونشر خلال حياته، عدا الروايات، عددا كبيرا من الكتب الفلسفية والفكرية منها “العمل المفتوح” 1962، “يوميات بالحد الأدنى”، “البنية الغائبة” 1968، “حدود التفسير” 1990، “ست نزهات في غابة السرد” 1994، و “اعترافات روائي شاب” و “أن نقول الشيء نفسه تقريبا” 2003. وحصل خلال حياته على 30 دكتوراه فخرية ولكنه لم يحصل على جائزة نوبل وعُرف عنه أن كتبه صعبة القراءة لكونها مليئة بالإحالات والإشارات إلى أحداث وأسماء وأزمان مختلفة وهو ما يضيع القاريء غير العارف. إيكو أقر بهذه الصعوبة في مقابلة في عام 1995.
من جانب آخر عُرف بجمعه بين الواقع والفنطازيا في مسارات تاريخية ولا تاريخية يستخدم فيها الفكاهة والهزل واستعارات وإشارات.
وأخيرا، كان إيكو رجلا كثير المرح والمزاح وكان كثيرا ما يُشاهد مع طلابه في حانات ليلية شعبية رخيصة وهو يناقش معهم كل شيء.
رابط فيلم “إسم الوردة” لمن يرغب
https://ok.ru/video/349854239445