رواية “عازفة النّاي” بين الواقع والخيال
جميل السلحوت – القدس الشرقية – فلسطين المحتلة
صدرت رواية عازفة الناي للروائي المقدسي عيسى القواسمي عام 2014 عن دار الشروق في عمّان ورام الله وتقع في 384 صفحة من الحجم المتوسط.
وهذه هي الرواية الخامسة للكاتب القواسمي، فقد صدر له قبلها:
همس الظلال عام 2008، الشغف عام 2009، النزوح نحو القمر عام 2010 و”من الشاطئ البعيد” عام 2012.
و”عازفة النّاي” جاءت بأسلوب ومضمون مخالفين لسابقاتها.
ويسجّل لصالح الرّواية أنّ حملت في طيّاتها معلومات وتاريخا لبعض كنائس ومساجد وأسواق والزوايا الصوفية في القدس القديمة وسورها التاريخي، وكان السّرد الروائي متناسقا وعاليا في الرواية، لكن الذي لفت انتباهي هو اعتماد شخوص الرواية على الأحلام والخرافات والروحانيات، وبدلا من أن يتركهم الكاتب يتحركون دون تدخّل منه، ظهروا وكأنّهم مسيّرون ومحكومون لخرافات غيبيّة، ويعلمون مصائرهم وما سيجري معهم لاحقا من خلال هذه الغيبيات، مع أنّهم في غالبيّة “نبوءاتهم” كانوا سكارى، فالعم “نوح” كان متسوّلا وسكّيرا، لم يرتدع عن ذلك إلّا في أواخر حياته التي قضاها في ملجأ بقرية العيزرية القريبة من القدس القديمة، وهيلينا تلك السائحة الألمانية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، والعازفة الموسيقية التي عشقت الفتى المقدسي بهاء الدّين وعشقها كانت لا تتجلى إلّا وهي في حالة سكر، بل إنّها قادته هو أيضا إلى السّكر حتى الثمالة خصوصا بعد أن رافقها إلى المانيا. والغجري الألماني خوسيكا وابنته تويلا أيضا كانوا سكارى.
فهل كانت عازفة النّاي التي يظهر طيفها لهم وليدة خيال سكّير أم ماذا؟ لكن أحداث الرّواية تنبئ بأن بهاء الدّين وعشيقته هيلينا كانا يتحركان بناء على نبوءات هؤلاء السّكارى، كما أنّ البيت “الصّوفيّ” الذي تملكه عائلة بهاء الدّين تبيّن أن عمّه ربحي قد باعه للمستوطنين، وهرب للعيش في بئر السبع حيث تزوّج يهوديّة، وقد قتل والد بهاء الدّين وجدّه في ظروف غامضة وهم يحاولون استرجاع البيت! ومع ذلك فإنّ العمّ بعد وفاة زوجته اليهودية ووفاة ابنه الوحيد منها”شمعون” قد قام بتربية حفيدته “وردة” تربية عربية اسلامية، وكان حلمه أن يزوجها لبهاء الدّين ابن أخيه “الشهيد”، حتى أنه انتحر تاركا وصيّة لبهاء الدين كي يتزوج وردة.
وتحريك شخوص الرواية بناء على “الرّوحانيات” والغيبيات” لم يقتصر على “نوح” والغجري الألماني وابنته، بل شاركهم فيه أيضا الكاهن الألماني “فرانك” الذي يعيش في دير في واد القلط ما بين القدس وأريحا، وهو عشيق سابق لهلينا.
فما الذي هدف إليه الكاتب بهذه “الغيبيات والخرافات”؟ وهل تاريخ القدس مبنيّ على خرافة؟