الجحيم الفلسطيني في رواية زغرودة الفنجان للأسير المقدسي حسام شاهين

رائد محمد الحواري | فلسطين المحتلة

رواية “زغرودة الفنجان” للأسير المقدسي حسام شاهين، تقع الرّواية التي صدرت عام 2015 عن دار”الأهليّة للنّشر والتّوزيع” في العاصمة الأردنيّة عمّان في 310 صفحات من الحجم المتوسّط. ويحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ الفلسطيني خالد نصّار.

من مهام الأدب تحقيق المتعة للمتلقي، وإذا ما حصلنا عليها، فإننا سنقول: هذا العمل الأدبي ناجح، هناك أعمال أدبية تعجبنا فكرتها وسلاسة تقديمها للفكرة، أو طريقة طرحها للفكرة، أو جمالية اللغة المستخدمة، وهذا ايضا يجعلنا نقول أننا أمام عمل جميل، فجمالية الأدب والمتعة التي يقدمها لنا (شرط) لنجاحه ومروره، لكن عندما يسبب لنا الأدب الإرهاق والتعب والتشنج، كيف يمكننا التعامل معه والحكم عليه؟ وعندما يكون الكاتب (أسيرا) وله علينا حق الإهتمام به وبما ينتجه من أدب، كيف نتناول أدبه؟ وما هي الحدود/المحظورات/الممنوعات التي يمكننا أن نضعها أمام نصه الأدبي؟، وهل وجوده في الأسر يمنحهحرية أكبر من تلك التي نمنحها للآخرين؟

 هذه الأسئلة ضرورية، لنستطيع (تجاوز/تمرير) فكرة الرواية، والقفز عن الجحيم الفلسطيني التي تحدثت عنه، أثناء تناولي للرواية مررت بتشنجات كثيرة وعديدة، حتى أن أفراد أسرتي لاحظوا توتري وغضبي، فهي رواية  مرهقة ومؤلمة وموجعة، وهذا أوصلني في مرحلة معينة، التفكير بتمزيقها أو إلقائها بعيدا عني، فبدت وكأنها كابوس يطاردني، وكلما حاولتالصبر على أحداثها وقذارة أفعال شخصياتها، وجدتني أسب وأشتم.

أعلم أن هذا خارج سياق تناول الرواية، لكنني وجدته ضروري لي، كي أخرج شيئا من الغضب والوجع الذي تركته في “زغرودة الفنجان”، فهي رواية مستفزة،واقول أكثر من هذا: إنها رواية (الجحيم) بالنسبة للفلسطيني، رواية الصورة الأخرى للضحية عندما تمسي جلادا/عندما يتخلى الفلسطيني عن فلسطينيته/عندما يمسى الإنسان شيطانا/عندما يتحالف الإله مع الشيطان ويتعاون معه، هذه رواية “زغرودة الفنجان”.

فكيف استطاعت الرواية أن تمرّ إلى القارئ وتصل إليه؟ وما هي (المحفزات/عناصر الجذب التي استخدمها الناشر لتمريرها؟ الإجابة نجدها في أكثر من وسيلة، منها  شهادات بعض الكتاب على لوحة الغلاف الخارجية، “زاهي وهبي، عادل الأسطة، جميل السلحوت، محمود شقير، عزيز العصا، إبراهيم جوهر”، كما أن وجود صورة الكاتب الأسير مع والده عملت على تمرير الرواية وتقريبها من القارئ، وكما أن التنويه الذي  جاء فيه: “هذه الرواية  مزيج بين الحقيقة والخيال” وهذا جعل القارئ يتقدم منها لمعرفة المسافة التي تفصل الحقيقة عن الخيال، ويضاف إلى ما سبق إهداء الرواية إلى  الشهداء “رياض المغمور، ميسرة أبو حمدية، أحمد جبارة” كل هذا جعل القارئ يشعر أنها رواية تحرر وطني، تتحدث عن الشهداء، وجود مقدمة الطبعة الأولى التي كتبها “زاهي وهبي”(أربع صفحات)،ومقدمة الطبعة الثانية التي كتبها “محمود شقير” وما جاء فيهما،  أسهمتا في تمرير الرواية، وجعلت القارئ المستهجن/المستغرب لما يقرأ من أحداث موجعة، يقول/يتساءل/يقنع نفسه بأن الرواية فيها أشياء مهمة، وعليه هو اكتشافها وإلا ما كتب عنها كل هؤلاء وقدم لها خيرة الكتاب.

المجتمع من وجهة نظر المحتل

تحدثت الرواية عن طريقة وكيفية تجنيد الاحتلال للعملاء، وكيف يغرق العميل ويُغرق ذاته، ويُغرق السفينة بمن فيها، الاحتلال يستغل كل ثغرة في المجتمع وفي الأفراد ليوقعهم في شباكه، وليكونوا خدما له وعونا، إن كانوا مكرهين أم راضين، فطبيعية وتركيبة المجتمع تسهل أو تصعب على المحتل عملية إيجاد العملاء، فما هي طبيعة المجتمع الفلسطيني؟، يقول “مارون” ضابط المخابرات ل”مازن”: “المجتمع الفلسطيني بطبيعته مجتمع عشائري مغلق، وتحكمه مجموعة متناقضة من العادات والتقاليد والموروث الثقافي والديني… بالنسبة لبعض الوجهاء والمخاتير ..فمقياس القوة لديهم تعني قوتهم هم، وليس قوة وحصانة المجتمع، وفي كثير من الأحيان تأتي على حساب المجتمع… لأن كل ما يعتبر نقاط قوة لديهم هو نقاط ضعف بالنسبة لنا، …أمّا الأسلحة التي يمكن أن نستخدمها للوصول إلى مآربك فتتمثل بالمال والمخدرات وحب الإنتقام، وأشياء أخرى أحيانا تفاجئك، وأولى الفئات التي نريدك التركيز عليها هم الشباب الصغار السن، اقترب من الطائش والمكبوت وتجنب الملتزم والمنفتح، أول الوسائل التي ستستخدمها لإغرائهم هي المال” ص44، الثغرات في المجتمع يستغلها المحتل لفتح (أنفاق) ولشق طرق تسهل عليه تحقيق مآربه، فالمجتمع الهش والفرد الضعيف هو هدف سهل للاحتلال، ولكن أثره على المجتمع مدمر ومهلك.

وهناك معضلة اجتماعية أخرى يتحدث عنها “مارون” ل”مازن”: “….وطبيعة المجتمع عندكم أنتم تعيشونها ولا تنتبهون لتفاصيلها ومجرياتها، أمّا نحن فننتبه ونراقب وندرس ونستنتج، ودائما تأتي  تقييماتنا دقيقة وفي محلها الصحيح، نحن نراكم التجربة أمّا أنتم  فلا تجارب لديكم تمثل رصيدا للذاكرة” ص62و63،  المجتمع الفلسطيني لا يتوقف عند ظواهر الخلل فيه، ليحلها أو ليحد منها، بل يبقي عليها كما هي، إن لم يبني عليها  ويزيد.

أمّا بخصوص نظرة  الاحتلال للفلسطينيين: “…وفي حديثنا معه كنا نشعر وكان يشعرنا دائما بالدونية، ويعتقد أنهم افضل منا في كل شيء، وهو بكلامه المنمق كان يعزز هذا الإعتقاد لدينا،… وكنا نرى أن حياة الفرد عندهم لها خصوصيها المقدسة واستقلالها ممّا يمنحها الابداع والتميز، أمّا  عندنا فهي مستباحة من الأب والأمّ والأخ والأقارب والعشيرة المجتمع وسلطة رجال الدين” ص188، يحاول الراوي تبيان مشاكل المجتمع بكل ما فيه، إنكان من باب المعرفة أو من باب المكاشفة والعمل على تصويب، فالعدو المحتل ينظر إلينا بهذه الصورة، فهل نحن فعلا هكذا؟

بعد ان يتم الإيقاع ب”نادر”  من خلال تصويره وهو يسافد حمارة: يخضع قائلا متوسلا ل”مازن”: “أنا موافق على كل شيء تريده ويريدونه شرط أن لا يظهر هذا الفلم للعيان” ص129، يستغرب “مازن” من هذا الخضوع والسرعة التي جاءت به، لكن “مارون” يوضح له هذا الأمر بقوله: “وأين المفاجأة في ذلك، فهذه هي طبيعة المجتمع عندكم، لأن نشأة الفرد لا تقوم على مواجهة الأخطاء وتصحيحها، لا أحد يمكنه تحمل قسوة المجتمع، وأنا كنت متأكدا بأننا سنحقق تقدما مميزا مع هذا الشاب” ص130،  هذا التأكيد جعل “مارون” يتقدم أكثر في طلب تجنيد المزيد من العملاء، فخلال الإنتفاضة الثانية، وانتشار العمليات المسلحة،  يرى أن من السهل جدا تجنيد أعداد كبيرة من المتعاونين مع الاحتلال بسبب: “لن يستطيع أحد التحدث فالتعاون معنا أهون على الناس عندكم من الفضيحة” ص151، من حق السارد تبيان خلل المجتمع، فنحن مجتمع يسعى (للسترة) مهما كان الثمن، حتى لو اقتضى الأمر الخيانة والتعامل مع الاحتلال.

بعد اللقاء بمارون يكتشف  “مازن” هذه الحقيقة، ضعف المجتمع  وهشاشة الأفراد، فبعد أن يطلب من “سمير” تصوير  شقيقته “سميرة” وهي عارية في الحمام: يقول “لقد كان الكابتن مارون متأكدا من أنني سأنجح، من أين جاءته كل هذه الثقة؟ إنهم يعرفوننا أكثر مما نعرف أنفسنا، إنهم يعرفون كل خبايا المجتمع، ونحن نعرف أن مجتمعنا كله خبايا، نحن نستر بلاوينا وهم يجيدون العمل تحت هذا الستار” ص56، إحدى مشاكل المجتمع والأفراد الخوف،الخوف من الضرب، الخوف من التأنيب، الخوف من كلام الناس، الخوف من تجاوز العادات والتقاليد،الخوف من الفضيحة،الخوف من المواجهة، فالعقل  مجبول على فكرة التماثل مع الآخرين وعدم تجاوز/خروج على ما هو سائد/مألوف.

واقعالمجتمعالفلسطيني

مسألة فساد المتنفذين يستغلها الاحتلال لرسم صورة سلبية أمام الناس والأفراد، بأن السلطة بكل مكوناتها (خائنة) وجاءت لتخدم الاحتلال، وهذه الصورة البائسة تسهل على الاحتلال تجنيد المزيد من الأفراد، الذين   يستنتجون: “بما أن رأس الهرم (خائن وعميل) فلماذا أمتنع أنا أن أكون مثله ومعه؟، ” …وإلا كيف تفسر عدم وجود أحد من أبنائهم في السجون أو بين الشهداء؟ وإنهم كالبق يعيشون على دماء الشعب، وسرعان ما كانت هذه الكلمات تأخذ مفعولها” ص233، هذه الحقيقة يتم تجاهلها من قبل الفاسدين، فهم يعطون سلاحا للاحتلال؛ ليخترقوا ضعاف النفوس والعامة، الذينيجهلون ما يُراد بهذا القول، وهذا كلمة حق أريد بها باطل. 

“مازن

“مازن” الشخصية المحورية في الرواية وحولها تدور كافة الأحداث، وهو يمر بمراحل عدة، تبدأ بقبول تعامله مع الاحتلال، والتي يتعلم فيها كيف يكون جلاد ومتوحشا،ثم حالة تأنيب الضمير ـ لكنها مرحلة متأخرة جدا، وجاءت بعد أن قضى على العديد من الضحايا ـ، ثم مرحلة الإعداد للعمل (الوطني)، والتي أراد بها أن يكفر عما أقترفه من جرائم بحق نفسه وبحق الأفراد والمجتمع والوطن.

بدأ “مازن”  التعامل مع الاحتلال، بعد أن قبض عليه متسللا إلى القدس، وهناك يضعه “مودي” ضابط مخابرات الاحتلال بين خيارين، إمّا السجن، وإمّا التعامل معه: “…أولا ستخرج من هنا إلى بيتك وليس إلى السجن، وثانيا سأمنحك كمبادرة حسن نية وعربون تعارف تصريح عمل في إسرائيل لمدة ثلاثة شهور، وثالثا وهو الأهم، سأوفر لك عملا محترما ومريحا براتب جيد، ورابعا وكلما تطور العمل فيما بيننا كانت استفادتك أكثر وأكبر، وكل ذلك مقابل تقديم بعض المعلومات البسيطة عن مجموعة من الشباب المزعجين لنا وللسكان في المدينة” ص 37،يباشر عمله ويبدأ بإسقاط آخرين، يدفع الفتى “سمير” ليصور شقيقته “سميرة عارية، يرسل الصورة إلى كابتن المخابرات “مارون” والتي يجري عليها (تعديلات)، بحيث تكون مع “مازن” في وضع فاضح: “ـ لا يا سميرة، هذه ليست صورة مزورة، هذه أنت التي تظهرين في الصورة، وهذا حمام بيتكم الذي  في خلفية الصورة، وهذا أنا الذي يحتضنك، وإذا كنت سكرانة ومش متذكرة، اطلعي في الصورة منيح وحاولي التذكر، وإلا شكلك لما بتنبسطي كثير بتنسي” ص65، وبهذا يتم إسكاتها وعدم البوح لوالدها بما يقوم به شقيقها “سمير” من تعامل مع شخص مشبوهوعميل للاحتلال.

بعد حادثة “سميرة” وما فعله بها، يتحدث “لعمر” عن مشاعره بقوله: “وبت لا أبالي بما أفعل، وكأنني أعيش في قارة وضميري يعيش في قارة أخرى” ص68، فهو لم يعد إنسان، بل آلة ـ وكلما تقدم في العمالة يغرق أكثر، وهنا يستنتج “مازن” هذه المعادلة: “..أنني في حساباتهم مجرد حذاء ينتعلونه ليتجاوزوا طريقهم الشائكة، فمصلحتهم ودمعة شخص لديهم أهم من حياتي وحياة كل افراد أسرتي” ص88، ورغم هذا الاستنتاج إلا أنه لم  يقدر على التراجع.

بعد الإيقاع ب”سميرة”، يستخدمها “مازن” لتكون (صنارة) لتوقع بضحية جديدة فتكون “رحاب” هي الضحية ـ والتي سيكتشف القارئ ـ في نهاية الرواية ـ  أنها عميلة للمخابرات، وما قامت به من دور الضحية أمام “سميرة ومازن” ما هو إلا وسيلة لبقائهما في العمالة، وأيضا لبقاء فكرة أنها ضحية بريئة، ومن (حقها) أن توقع/تنتقم من الآخرين كما أوقع بها “مازن وسميرة”، وهذا يبرر (تغولها) في العمالة التي تجاوزت “مازن” بكثير.

فكلما وقع (خلاف) بين “مازن ورحاب” يتذكرهذا الامر: “إلا أنني بداخلي شعرت بنوع من تأنيب الضمير، فأنا سبب تحطيم  هذه المرأة” ص141و142، وهذا ما جعله (يخضع لها) بعد أن قامت بتصوير شقيقه “رأفت” وزوجته وهما  بهذه الوضعية: “… وهما يمارسان الجنس ويتعاطيان المخدرات وبطريقة مشينة جدا وفي وضعيات شاذة ومقرفة”،  ورغم أن الخطر اقترب من بيته، إلا أنه يخضع “لرحاب” ولفكرة ظلمها، فقرر إيصال الشريط إلى الكابتن “مودي”: “فخنعت  لرغبتها كالذليل وقمت بإيصال الأشرطة، وفي هذه الأثناء بدأت بإعادة تفكيري لأن النار باتت تقترب من بيتي، من زوجتي ومن بنتيّ اللتين تكبران وتقتربان من سن المراهقة، وها أنا كالكلب لم أعد قادرا على رفض طلب واحد لرحاب، يا ويلي إلى أي حدّ وصل بي الانحطاط، وباشرت  البحث عن مخرج حتى وإن فات الأوان” ص180، الملاحظ أن (صحوة ضمير) “مازن” ناتجه وبسبب أنه أصبح يخضع لرحاب، امرأة من بني جنسه/من شعبه، وهذا يأخذنا إلى عقلية الذكر في المجتمع الذي يهيمن على كل شيء ويسيطر، “مازن” لم يرحم أحدا من ضحاياهبتاتا، وكان متفانيا في خدمته للاحتلال، من هنا لا يمكننا الإعتماد فقط على ما يصرح به، “أن النار اقتربت من بيتي”بل لأنه ذكر في مجتمع ذكوري، ولأن “رحاب” المرأة/الضعيفة والتي أوقع بها وأخضعها، ها هي تتمرد عليه وتتجاوزه وتتفوق عليه في العمالة، هذا من الأسباب الحقيقية (لصحوة الضمير)، بمعنى أنه حاول أن يستعيد سيطرته كذكر، حتى لو أدى ذلك إلى (الإنتحار)، وهدم كل ما (بناه) من سطوة، ففي داخله، في العقل الباطن، كان تفوق “رحاب” عليه يعد سبب موازي ل”النار تقترب من بيتي”، وهذا ما نجده في ردة فعله عندما هددته “رحاب” بالوصول إلى زوجته: ” …وإذا استمريت بمضايقتي بهذه الطريقة فأعدك أنني سأصل إلى زوجتك، لم أنتبه لفظ كلماتها وإذا بيدي تصفعها على وجهها بقوة غريبة” ص181، فالذكر لا يقبل أن تهدده امرأة، وأيّ امرأة؟ امرأة كانت تخضع له وهو من (جندها وطوعها وأخضعها).

 لهذا لم يكن “مازن” (صادقا) في الحديث عن سبب صحوة ضميره، فهناك سبب آخر، متعلق بالعقل الباطن، عقلية المجتمع الذكوري الذي يرفض أن تكون المرأة هي المسيطرة والمتحكمة به.

يتقدم “مازن” أكثر نحو الخلاص،  فأفكار الصحوة تجعله بهذه الحال: “وأشعر أنني أغرق في بحر من ضباب، والكوابيس تطاردني في النوم واليقظة، وأحيانا أرى نفسي أذوب في نقطة سوداء، تمتد وتتسع بشكل تدريجي، ويتكون لها رأس تنين يبدأ بالتهام زوجتي وأولادي الذين يستغيثون بي، وكلما صرخوا تخرج من أفواههم صور الضحايا الذين جنيت عليهم، وأخشى أن يتحقق هذا الكابوس ويضيع مستقبل عائلتي” ص194، في هذا المقطع نجد أكثر من عامل يدفع “مازن” نحو التحرر من قبضة العمالة، بداية ألمه الداخلي ـ في حالة الوعي/اليقظة، وفي حالة اللاوعي/الحلم،فهناك (قلق/أرق) يعانيه، ويريد التخلص منه ويرتاح، ثم تأتي (فكرة) الخطر المحدق بعائلته، والتي هو حاميها، أليس هو الذكر المسيطر، الحامي والمهيمن؟، وهنا يكون (الفكر/فكرة) أنه ذكر في مجتمع ذكوري مسيطر ومهيمن، هو الباعث على تخلصه ممّا وقع به، وبعدها يأتي البعد الأبوي/الإنساني/الطبيعي والذي يتمثل بحماية العائلة من الخطر.

من هنا لا يمكن أخذ فكرة واعتماد (صحوة الضمير/الخطر على العائلة/ خوفه من اغتيال “عمر”) التي يقولها “مازن” ويرددها، بأنها العامل الوحيد لتراجعه عن الجريمة، بل هناك جوانب شخصيه متعلقة به، جوانب ألم داخلي يتعبه ويرهقه، جوانب في العقل الباطن كشخص يعيش في مجتمع ذكوري مهين على مقاليد الأسرة والعائلة، من هنا لا يمكننا اهمال هذه الجوانب الشخصية/الذاتية والاعتماد فقط على ما يقوله.

تبدأ اللقاءات بين “مازن وعمر” لبحث كيفية استدراج الكابتن “مودي” لقتلة والانتقام منه، وهنا يدخل “مازن” حالة من النشوة وراحة النفس: “…أشعر بتحسن وارتياح جميل يسري في كل كياني” ص221، وتبدأ نفسه بالتقدم من الحياة السوية/العادية/الطبيعية، بعيدا عن ماضيه الأسود: “..فأنا لا أريد أن أترك خلفي أي أثر أو كتابة تتعلق بصورتي القديمة، أريد أن يتذكرني الناس وتحديدا زوجتي وأولادي بالصورة الأخيرة التي سأرحل فيها عن هذه الدنيا…أريد أن أرضي روحي وضميري وجسدي قبل استشهادي” ص262و263، بالعملية الفدائية يريد “مازن” تحقيق ثلاثةعناصر هي:إرضاء الروح والضمير والجسد، وهذا يأخذنا إلى ما قلنا سابقا، هو كشخص يعاني من ألم داخلي ويريد أن يرتاح كأي متألم، ثم هو كذكر في مجتمع ذكوري يعاني من فكرة السيطرة والهيمنة على الآخرين، وله ودور منوط به أكبر من دور المرأة، ثم يريد أن يخلد في المجتمع، من خلال الذكرى الطيبة (قتله “مودي” ضابط المخابرات الكبير والمهم في دولة الاحتلال)، وهذا ليحافظ على صورة (الذكر) في أسرته/عائلته.

يقول “مازن لعمر” قُبيل العملة مباشرة: “هذا حلمي معركتي الشخصية قبل أن تكون الوطنية، سأخذ بثأري وثأر كرامتي”  ص305،  وهذه اشارة إلى أن الدافع الشخصي لعب دورا أساسيا في عملية انتقاله من مجرم إلى شهيد.

“رحاب”

اسم “رحاب” يأخذنا إلى التوراة، وتحديدا إلى تلك الزانية  الفلسطينية التي سهلت دخول يوشع بن نون وجنوده إلى أريحا، فاستخدام اسم “رحاب” كان موفقا من قبل السارد، حيث خدم الاسم طبيعة الخيانة التي أقدمت عليها “رحاب” توراتيا و روائيا، لا يتم تناول كيفية سقوط رحاب في شباك العمالة، فهي كانت تتخفى خلف براءتها، لكنها كانت تراقب العملاء ليكونوا أكثر بطشا وقوة في تعاملهم مع ضحاياهم، وأكثر خدمة للاحتلال، تظهر “رحاب” حينما كان “مازن” يقدم تقريره للضابط المخابرات من خلال جواله، ويحدث بينهما جدل، تظهر فيه (وطنيتها): “يا مجنون، تبيع نفسك  للعدو، يا حسرتي عليك،… وتطلب مني أن أتستر عليك حتى أصبح شريكتك في الجريمة، وتهددني أيضا” ص93، بعد أن يخبر الضابط بما جرى مع رحاب، يأتيه أمر من الضابط بالعمل على تجنب إفشاء ما سمعت، فيتم استخدام “سميرة”التي تدعوها إلى بيتها، وهناك يتم وضع  منوم لها في الشاي، ثم يقوم سمير باغتصابها، وبهذا تبدو “رحاب” ضحية سميرة ومازن، وتكمل دورها التمثيلي، فتغرق “سميرة” أكثر في عمالتها، ـ رغم ضعف دورها ـ وأيضا لتقوم بأدوار أخرى يخطط  “مودي” ضابط الاحتلال دون علم “مازن”.

الطريقة التي استخدمها “مازن” مع “رحاب” أعتقد  أنه أصاب عصفورين بحجر واحد، فتصوير “سميرة” وهي تعري “رحاب” أظهر  أن”سميرة” هي المجرمة الوحيدة في عملية إساقطها، فيكون الجرم الأكبر عليها، وأيضا ليكون التصوير إدانة لها وليس له، فهي من وضعت المنوم، وهي من عرتها، بعدها يطلب من “سميرة” الخروج من الغرفة؛ ليقوم بفعلته القذرة: “..بسرعة حيوانية أنزلت سروالي وولجتها، ومن ثم خرجت لأستدعي سمير من الخارج، وقلت له سميرة تراقب الوضع من على سطح البيت، وهو لم يكن يعلم بوجود الكاميرات المزروعة في غرفة النوم،وقلت له: هذه هديتك ، لن تجد في حياتك امرأة أجمل من هذه المرأة، وبدلا من اللواط الذي أنت مبتلي به هذه فرصتك لتجرب النساء، هيا خذ مجدك معها ومارس الجنس كيفما تشاء، لعله يكون بذلك بين فخذيها الدواء، …سأخرج الآن، اخلع كل ملابسك، وتريث قليلا لا تباشرها مباشرة إذا أردت الاستمتاع، قبّلها وداعب ثدييها وجسدها ومن ثم ضاجعها” ص100، وهكذا يعتقد “مازن” أنه روض “رحاب” وأوقع بها، علما بأنها كانت متربطة قبله وتقوم بأعمال أكثر أهمية منه.

 وردا على ولوجه لها أثناء تخديرها، تقوم “رحاب” بممارسة الجنس بمتعة وشهوة مع ضحاياها، بينما كانت تمتنع عن “مازن” فقد أرادت أن تعاقبه على أنه وطأها دون أرادتها، حتى لو كان هذا الأمر متفق عليه مع الكابتن “مودي”.

تكمل “رحاب” دورها التمثيلي في خداع العملاء الثلاث “مازن وسميرة وسمير” بهذا الشكل: “ماذا فعلت بي يا سميرة؟ لماذا أنا على هذه الحالة؟ أنا لا علاقة لي بالأمر، أرجوك أن تسامحيني فأنا ضحية مثلك، صديقكم مازن هو المسؤول عن كل شيء،  وقد طلب مني أن أخبرك بأن تراجعيه بعد أن تستفيقي … اذهبي إليه لتعرفي الموضوع. سميرة أنا كنت ضيفة في بيتك وأنت خدعتني يا قذرة يا شرموطة سلمت جسدي للعميل مازن، أرجوك لا تقولي هذا الكلام ولا تذبحيني أكثر ممّا أنا مذبوحة،…أنت عاهرة يا سميرة، وسيكون مصيرك عسيرا” ص102.

بعدها تراجع “رحاب” مازن” ويقوم بإظهار عمالته مباشرة، ويخاطبها بصوت المنتصر القوي: “وأنت أيتها الحسناء الفاتنة أصبحت متورطة مثلي تماما؛ لأنك حشرت أنفك في المكان غير المناسب وفي الوقت  الخاطئ” ص104، وتكمل دورها التمثيلي بقولها “ـ هاي آخرتها يا مازن، تدعوني للمشاركة في الخيانة، تريدنا أن نعمل عملاء مع إسرائيل؟” ص105، يقوم مازن مباشرة بالاتصال بالضابط “مودي” ويخبره أن “رحاب” أصبحت جاهزة، وقبل أن يعطيها الهاتف للتحدث معه يهددها: “بنشر الفلم والصور إذا لم تكلمه” ص105، ورغم التغييرات السريعة في حالة “رحاب” إلا أنه لم يخطر على بال “مازن” أن تكون مرتبطة قبله: “…استمرت المكالمة بينهما قرابة النصف ساعة، ولاحظت أنها بعد مرور عشر دقائق انسجمت مع الدور المعد لها بطريقة مفاجئة وغريبة، ولدرجة أنها ضحكت عدة مرات وقهقهت مرتين” ص109، بعدها تبدي رغبها في العمل والتحمس له أكثر من “مازن” نفسه.

يتم الإيقاع “بمروان” بواسطة “مازن ورحاب”، وبعد أن يقع تقوم بدورها التمثيلي جاعلة من “مازن” سيد الموقف والمتحكم بها وبمروان: “زحفت رحاب من مكانها وركعت أمامي وهي تبكي وترجوني لأن أرحمها بسكوتي، وتبدي استعدادها لعمل أي شيء، ممّا ساهم في انهيار مروان بشكل تام وأجبره على الاستلام للأمر الواقع، والتعاطي مع كل طلباتي من دون أية مقاومة أو حتى إظهار لعلامة الرفض” ص134،

وتوقع “بعلي” بطريقة سادية مهينة: “…أنا امرأة والمرأة تحتاج إلى وقت أكثر من الرجل حتى تستثار، وعليك أن تساعدني، لذلك هناك بعض الطقوس التي أتمنى أن تجد مانعا لديك في تنفيذها، وبغيرها لن تستطيع ممارسة الجنس وإياك..أنا جاهزة لأي شيء تطلبينه يا حبيبتي.، تنزع ملابسك كاملة باستثناء سروالك الداخلي، وأضع في رقبتك هذه السلسة، وأمسكها بيدي وأنت تحبو من خلفي وتنبح وتشمشمني ككلب، وتقفز فوق أردافي دون خشونة حتى تصل إلى داخل غرفة النوم، وقد تمكنت من تمزيق ثوبي على جسدي” ص156.

وبعد أن توقع “برأفت” شقيق  “مازن” وبزوجته، يحتج “مازن” على هذا الأمر لكنها ترد عليه: “فأنا أعرف أنني أمارس الجنس وأخون زوجي، ولكنني لم أصبح عميلة مع إسرائيل وأخون شعبي وبلدي إلا بسببك، فنجاسة جسدي أنا المسؤول عنها، أمّا نجاسة ضميري ووطنيتي فأنت سببها” ص167و168. تستمر في عملها كأحد أهمّ وسائل الإسقاط، تستخدم سميرة للإيقاع بليلى وتقوم بتصوير “سميرة وهي تنزع ملابس ليلى، بحيث تبدو “سميرة” هي الفاعلالأساسي والوحيد، تماما كما حدث عندما تم استدعاء “رحاب” إلى منزل سميرة بتخطيط “مازن”.

بعد أن يستفيق “مازن” من سكرة الخيانة، يدخل إلى الفندق ـ مقر المخابرات، ويتفاجأ عندما يشاهد رحاب بهذا المشهد: “مودي يعانق رحاب، ويقبلها من شفتيها بشغف كبير…ما أخبار  الغبي مازن؟ ..ينفذ كل ما أطلبه منه ولا يجرؤ على مخالفتي، فالغبي وبالرغم من كل ما دار ويدور حوله من أحداث لا يزال يعتقد بأنه هو الذي ورطني معكم في العمل، ” ص217، وهذا ما يؤكد قولنا السابق أن توبة “مازن” كانت بدوافع عدة، منها الانتقام لعقلية الذكر التي يفكر بها، ولاانتقام للذكر الموجود فيه، الذكر المهيمن والمسيطر.

“سلمى”

وهناك العديد من عمليات الإسقاط التي تناولتها الرواية، “مروان، فاروق،  نادر” حتى أن السارد يحدثنا عن عملية تبول “رحاب” أحد الضحايا، ويصل القارئ إلى ذروة  الغضب والقهر عندما يتم موت “أمّ إبراهيم” قهرا بعدتصويرها بوضعية سافرة بعد أن أعطيت حبوب المنوم، وانتحار “ليلي” بعد أن  شاهدت فليم الفيديو الذي أعدوه لها، فكثرة مشاهد الجنس والإسقاط وتذلل الضحايا لرحاب ولمازن، جعلت الرواية غاية في القسوة، فكل الضحايا ذكورا وإناثا كانوا يستسلمون أمام تهديدهم بنشر الصور أو الفيديوهات، وهذا ما زاد القسوة على القارئ، فلم يكن هناك أحدا ليجرؤ على الوقوف أمام التهديد والتشهير، وكانت تساق الضحايا لتكون أداة للاحتلال فتقدم المعلومات وتخبر عن المقاومين، وتعمل على اسقاط أشخاص آخرين، فكانت عملية تفريخ العملاء مضطردة وسريعة.

هناك شبكة ثانية تتكون من “مجيد،رائد،غادة”  تعمل على الإيقاع “بسلمى” والتي تقرر مواجهة هؤلاء العملاء مهما كان الثمن، وبهذا تكون “سلمى” (المرأة) والوحيدة التي قبلت أن يكون شرف وطنيتها أغلى من شرف جسدها وأهم منه، تدعوا  غادة” زميلة سلمى في الجامعة إلى بيتها، لحضور حفلة، بالطريقة عينها يتم تخدير وتنويمها، تستيقظ وهي بهذه الحال: “.. صحوت فإذا بنا الأربعة عراة في سرير واحدوقد فقدت عذريتي” ص232، ورغم أن حالة تخدير “سلمى” كانت متطورة عن غيرها، فقد تم اعطائها مخدرا ومادة تغيب الذاكرة، وفي الوقت ذاته  تثير الشهوة الجنسية: “فإذا بي أشاركهم شرب الكحول وتدخين الحشيش والتعرى من ملابسي ونمارس الجنس بشكل جماعي مهين، …فالتي في الصورة هي أنا ولكنها ليست أنا، لأنه لا يمكن حدوث كل هذا الذي حدث وأنا لا أتذكر منه شيئا على الاطلاق” ص234، ورغم تهديها من قبل الشبكة وأنه سيتم تزويجها من رائد إلا أنها لم تخضع: “…وفي النهاية القرار يعود اليك، إذا قبلت أن تشاركينا العمل الذي نقوم به، سيتم زواجك من رائد خلال شهر واحد كحد أقصى، وإذا رفضت ستكونين قد فقدت عذريتك له من باب النزوة وليس من باب الحب” ص236، تبقى “سلمى تحت أثر الصدمة لفترة زمنية، بحيث لم تعد تذهب إلى الجامعة، وتعود “غادة” إلى لغة التهديد بشرف العذرية والتي تعني قتلها اجتماعيا وجسديا وأخلاقيا: “…قد خسرت زوجا إضافة إلى عذريتك، وأنت تعرفين ثمن العذرية في مجتمعاتنا العربية، وإذا فكرت باللجوء إلى أي جهة كانت فهذا الفلمالذي بحوزتي يثبت الحقيقة وينفي الادعاء الكاذب الذي تدعينه” ص239، تكرار تهديد “سلمى”  وثبوتها وعدم انصياعها لمطلب “غادة” كان الموقف الأول التي تتخذه الضحية، وهذا كان بداية (بريق) أمل لمواجهة شرف البكارة، والتصدي لفكرة (الفضيحة والتشهير بالجنسية) في الرواية، لهذا تقرر أن تخبر “عمر” بما جرى معها، يخبرها بضرورة عودتها إلى الجامعة وأنه سيتصل بها أحد الشباب “فراس” الذي سيقوم بمعالجة مشكلتها، وفي الجامعة تجد من جديد شبكة العملاء يتم تهديدها من جديد عن طريق “غادة”: ” فما تقدمين عليه يا سلمى لن يتجاوز الانتحار البطيء، فمتى عرف فراس انعدام عذريتك سيلفظك كما يلفظ البحر جثة هامدة، وزواجك من رائد لا يزال فرصة سانحة فلا تضيعيه من بين يديك لحظة طيش ومكابرة فارغة” ص266، العذرية والبكارة هما الشرف في المجتمع،  ورغم أن سلمى بنت، ومن المفترض أن تعلم أن فقدانها لعذريتها يمكن أن يؤدي بها إلى القتل، إلا أنها تستمر في (تجاهل) التهديد، وتتقدم بعلاقتها مع “فراس” المناضل والمتفهم لما تعرضت له خداع وغدر،  تنجح العلاقة بينهما ويتم زواجهما، رغم تكالب كل العملاء عليها والعمل على التشهير بها، حتى “فاروق” الضابط الفلسطيني والذي أوقعت به “رحاب” ليكون عميلا، يعمل على أذيّتها والتشهير بها: “سمعت كلاما مسيئا حول سلمى ابنة قريتنا وجارتكم، فالفتاة تخرج للسهر برفقة مجموعة طلاب، وعلى ما يبدو أنها تقيم علاقات غير شرعية مع أحدهم” ص270، كل هذا يتم تجاوزه، “فراس” الشباب المثقف القارئ للرواية “شرفة العار” يعلم أن شرف البت/المرأة ليس في بكارتها، بل في أخلاقها وسلوكها، وهو يعلم أن هناك مجموعة كبيرة من الفتيات/النسوة تعرضت للظلم والقتل بسبب النظرة الخاطئة لشرف المرأة والمتمثل بالبكارة.

فالسارد من خلال تناوله لرواية “شرفة العار” أراد بها أن تكون داعمة لكل من يواجه عملاء الاحتلال، وكل من يواجه نظرة المجتمع السلبية والخاطئة لفكرة شرف البنت/البكارة.

عنوان الرواية

تبقى أحداث الرواية بعيدا جدا عن العنوان، حتى صفحة 260، أي في آخر أحداث الرواية يتم ذكر العنوان: “…حتى لقيت الحل عند جدتي البدوية، التي أخبرتني بأن القهوة السادة تسكب حتى تسمع زغرودة الفنجان، ومتى سمعت هذه الزغرودة توقف عن صبها فورا، وسيكون تقديرها الصحيح يكمن في الأذن وليس في العين” ص260، ثم يتم تكرار “زغرودة الفنجان” في صفحات 275و310و313،  وأعتقد أن  هذا الأمر ساهم في إثارة المتلقي، الذي استمر يتساءل عن علاقة العنوان بالأحداث، إلى أن وصل إلى صفحة 260، وهذا ساهم في تعذيب القارئ وإرهاقه، كحال الأحداث وكثرة الشخصيات السلبية فيها.

سرد الرواية

جاء السرد بطريقين، القسم الأول من الرواية وهو الأكثر وجعا وألما وقسوة جاء ـ بغالبيته ـ بصيغة أنا المتكلم وعلى لسان “مازن” الذي يعترف ل”عمر”بالأعمال والأفعال القذرة التي أقدم عليها، وهذا ما زاد القسوة على القارئ، فالمتحدث/(المجرم) مُنح حرية التحدث عن أعماله ودون أية عوائق،بينما القسم الثاني ـ  والذي بدأ من صفحة 190 حتى نهاية الرواية ـ  جاء بصيغة السرد الخارجي، الحديث من خارج الأحداث، وهذا منح القارئ شيئا من الراحة، فالمتحدث ليس أنا (المجرم)، بل سارد يتحدث من خارج الأحداث، وهذا قلل من أثر القسوة على القارئ، كما أن القسم الثاني أخذت فيه الأحداث منحى آخر، التوبة والتكفير عما فعله “مازن”، فبدت أحداث الرواية تأخذ شكل النهاية (السعيدة).

13-9-2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى